للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن عدم جمع وتنظيمه، وتقديمه بأسلوب مقبول يبقى مسئولية علماء اليوم، ومن بين تلك النظريات الشمولية ومراقبتها لأحوال جميع أصناف المعاملات هادفة إلى خلق توازن اجتماعي، عن طريق التربية والتوجيه والتشريع، ولم تقتصر الشريعة على مراقبة ربح التاجر في هذه الحالات التي رأينا في النقط التي تعرضنا إليها أعلاه، بل إن الشريعة ذهبت إلى بعد من ذلك في تنظيم المعاملات، ومراقبة جميع صنوف الحياة العامة، حتى لا يطغى جانب تحت أية طائلة على مصالح الجانب الآخر.

وكأمثلة على ذلك نسوق الحالات الآتية:

لولي الأمر أن يلزم أصحاب الصناعات إلى إنتاج البضائع، التي تنتجها معاملهم وليس لهم أن يطالبوا بغير أجور المثل للعمال، وثمن المثل للبضائع، ولهذا السبب رأى بعض أصحاب أحمد، والشافعي بأن تعليم هذه الصناعات فرض كفاية، ومحاسبة ولاة الأمر المشرفين على تنظيم تلك الأمور واجب على ولي الأمر أيضًا بحكم حديث أبي اللتبية (١) .

المهم أن الأعمال التي تنفع العموم، إذا انفرد شخص واحد بصنعها تصبح فرض عين عليه. وإن تخصص في صناعتها عدة أفراد أصبحت فرض كفاية عليهم جميعًا، يمكن أن يقوم به واحد منهم وأثموا جميعًا إن لم يقم به أحدهم، ويلزمون بالقيام به، إذا لم يفعلوا أو أحدهم من تلقاء نفسه.

وهكذا نظمت نظريات الفقه الإسلامي كل معاملة يمكن أن يجني منها التاجر ربحًا، وأعطت لكل صورة اسمها وبينت أحكامها، حتى لا يقع الناس في الحرام، وحتى لا يتعرض أحد أطراف المعاملة لحيف من الطرف الآخر.

وإذا ما رجعنا لأصول المبيعات المنهي عن الربح عن طريقها، نرى أنها قليلة جدًّا، إذا ما قيست بتلك التي ترك الربح فيها مباحًا إذا سلم من الشوائب، أما المنهي عنها فقد قال ابن رشد في بداية المجتهد في شأنها ما نصه.

"وإذا اعتبرت الأسباب التي من قبلها ورد النهي الشرعي في البيوع، وهي أسباب الفساد العامة وجدت أربعة: أحدها تحريم عين البيع، والثاني الربا، والثالث الغرر، والرابع الشروط التي تؤول إلى واحد من هذه أو لمجموعتها".

وهذه الأربعة هي في الحقيقة الفساد، وذلك أن النهي تعلق فيها بالبيع من جهة ما هو مبيع لا لأمر من خارج، وأما التي ورد النهي فيها لأسباب من خارج فمنها الغش، ومنها الضرر، ومنها ما هو لمكان الوقت المستحق بما هو أهم منه، ومنها لأنها محرمة البيع" (٢) ، مثل النجاسات.


(١) في قضية توليته على صدقات بني سليم فلما أتى قال: "هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحديث المشهور" (إني لأستعمل الرجل على العمل منكم) الحديث...
(٢) بداية المجتهد:٢ /١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>