للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاتمة:

إن أهم ما يمكن أن تهتم به المؤسسات الإسلامية في نظرنا انطلاقًا من توصيات المجمع الفقهي، لهو القيام بمجهود علمي وتنظيمي لسن قانون تجاري إسلامي موحد، إذ من خلاله يستطيع المسلم معرفة سبل التعامل مع المؤسسات المصرفية سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه، وما هي المعاملات الربوية التي من تعاطاها، قد أذن بحرب من الله ورسوله؟ وما هي الصبغ التي وجد لها العلماء طرقًا أدخلتها في دائرة المباح؟ لأن المسألة ليست حديثة على الساحة الإسلامية، وقد كان الرعيل الأول من المسلمين حائرًا في جواز أو عدم جواز بعض المعاملات مما حدا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى قولته المشهورة ثلاثًا: وودت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى يبين لنا الحكم فيها، الجد والكلالة وأبواب من الربا، هذا معنى كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وإذا كان هو لم يتضح له الحكم الراجح فيها فما بالك بأبناء اليوم ومدرستهم ليست إسلامية إلى حد تعريف الأجيال بكل دراسات الحرام والحلال، وشارعهم ليس إسلاميًّا إلى حيث لا يبيع فيه غير المسلمين، بل إن الاختلاط في المدرسة والشارع، وحتى البيوت والمصانع والمتاجر، وعدم تحكم الروح الإسلامية في كثير من النفوس تحتم سن قواعد تنظيمية وزجرية تستبعد تعامل المسلمين مع كل بيع وشراء لا يرضي الله.

أما من يدعي أن حياة اليوم والاختلاط بالعالم، والمصالح المتبادلة أصبحت تفرض نوعًا من التعامل في ظل تجاهل أحكام الشريعة، إذ من يقول بذلك أو يقبله لهو مخرب لبناء هذه الأمة التي لم يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، ولا يستطيع أي مكابر يقول بأن المسلمين حسب لهم أي حساب، أو طلعت شمس عظمتهم أو تحكمت دولتهم في أهم مصادر اقتصاد العالم، وأصبحت لا تغرب شمسها، ما عدا في الفترة التي تحكمت فيهم شريعة الله، بجعلهم القرآن دستورهم والسنة النبوية المطهرة تشريعاتهم التنظيمية، ونبراسهم الذي يهتدون به.

بقيت إشارة أخرى: وهي أن من ادعى بأن قوانين الغرب أو الشرق اليوم، قد احتوت على جميع التطلعات الإنسانية بصفة أكثر شمولية من نظريات الفقه الإسلامي، يعتبر جاهلًا لهذا الفقه، الذي بدون شك، ومن منطلق تجربة طويلة، وممارسة ميدانية اهتمت بمقارنة الفقه الإسلامي بغيره من القوانين الغربية، نستطيع الحكم بأن نظريات وآراء وفتاوي فقهاء الإسلام، أكثر استجابة في جوهرها مما وصلت إليه القوانين الوضعية على مختلف اتجاهاتها، وكذلك الاجتهادات القضائية على مختلف مراكز إصدارها. علمًا بأن الشريعة وسعت دائرة المباح، مما أكسبها مرونة تستجيب لتطورات كل عصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>