للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحث الخامس، هو البحث الذي تقدمت به وسأختصر على بعضه، هو – في نظري – أن هذا العنوان يحتمل:

أولًا: تحديد مقدار نسبة الربح من رأس المال من قبل الشارع، والتزام المؤمن بتطبيق حكم الشريعة، وهذا أمر لم أجد فيما وقفت عليه نصًا، لا في القرآن ولا في السنة ولا في كتب الفقهاء، يحدد الربح بنسبة لا يجوز تجاوزها، خاصة وأن التاجر معرض للخسارة والربح على حد سواء، فلما كانت خسارته لا تضمن، وكساد سلعه لا يضمن فكذلك ربحه ينبغي أن يكون فيه ما يغطي نفقاته، واحتمال خسارته التي ربما تصل إلى رأس المال كله.

ثانيا: يحتمل هذا العنوان تحديد النسبة التي إذا تجاوزها غدا التاجر غابنًا للمشتري، وهذه قضية أخرى هي قضية " الغبن " واختلاف الفقهاء فيها.

الثالث: وهو الذي أرى أنه هو المقصود بالعنوان، هو تدخل السلطة لتحديد ربح التجار، وهو " التسعير " والتسعير: أوسع تعريف وجدته للتسعير هو الذي جاء في (مطالب أولي النهى) ، هو تقدير السلطان أو نائبه للناس سعرًا، وإجبارهم على التبايع بما قدره.

وحكم التسعير: لا شك أن التسعير تقييد لحرية البائع، وعدم اعتبار لرضاه أو سخطه بالقيمة التي يحددها صاحب السلطة، وعنصر الرضا شرط أساسي لسلامة العقود، والضغط على إرادة البائع لبيع سلعته بثمن محدد من إرادة صاحب السلطة هو إكراه، وأمر السلطان إكراه بالإجماع، إلا أن هذا الإكراه، هل هو إكراه بحق فلا إثم فيه، أو هو إكراه بغير حق، فالحاكم المسعر آثم، أو المقام مقام تفصيل؟ للإجابة عن هذا لا غنى عن الرجوع إلى القرآن والسنة، أما القرآن فلا نجد فيه في التسعير إلا الآية العامة التي هي قاعدة من قواعد التعامل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .

فالنهي عن أكل المال بالباطل، واشتراط الرضا في التعامل من القواعد العامة التي تتنزل على الوقائع بالاجتهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>