للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: السنة:

فمن ذلك الحديث الذي رواه أنس بن مالك، قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله سعر لنا، فقال: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) ، أخرجه أبو عيسى الترمذي، وقال: حسن صحيح وكذلك الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري، والحديث الذي رواه أبو هريرة فالأحاديث متصلة عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك تتفق كلها:

أولًا: على أن الأسعار ارتفعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: أن الصحابة طلبوا تدخل النبي صلى الله عليه وسلم لتحديد السعر.

ثالثا: أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من التسعير.

رابعًا: أنه لم يستجب لطلبهم، معللًا رفضه بكون التسعير مظلمة، يخشى أن يطلبه أحد بها يوم القيامة، وإن الظلم حرام.فظاهر الأحاديث تقتضي المنع من التسعير أيضا، كما أن ظاهر القرآن يقضي بالمنع أيضًا، ولذلك فإن بالرجوع إلى كلام فقهاء الأئمة الأربعة نجدهم يجمعون على أن الأصل في التسعير هو التحريم، فمذهب الحنفية: فقد جاء في الفتاوي الهندية: (ولا يسعر بإجماع) ، ومذهب المالكية، سئل ابن القاسم عن قول مالك: " ينبغي للحاكم إذا غلا السعر واحتاج الناس أن يبيعوا ما عندهم من فضل الطعام أن يبيعوا؟ قال: إنما ما يريد مالك طعام التجار الذين خزنوا للبيع من طعام جميع الناس، إذا اشتدت السنة واحتاج الناس إلى ذلك "، ولم يقل مالك: يباع عليهم، ولكن قال: يأمر أي السلطان بإخراجه، وإظهاره للناس، ثم يبيعون ما عندهم مما فضل عن قوت عيالهم كيف شاؤوا، ولا يسعر عليهم. قيل: فإن سألوا الناس ما لا يحتمل من الثمن قال: هو ما لهم يفعلون فيه ما أحبوا، لا يجبرون على بيعه بسعر يوقت لهم. هم أحق بأموالهم، ولا أرى أن يسعر عليهم. وما أراهم إذا رغبوا وأعطوا ما يشتهون إلا يبيعوا، وأما التسعير فظلم لا يعمل به من أراد العدل. ومذهب الشافعية، هو يحرم التسعير ولو في وقت الغلاء، بأن يأمر الوالي السوقة بألا يبيعوا أمتعتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>