للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذهب أحمد، قال ابن حامد: ليس للإمام أن يسعر على الناس، بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون، وهذا هو مذهب الشافعي، وكما استدل أصحاب المذاهب على أن الأصل في التسعير المنع بالقرآن والسنة. وكذلك استدلوا المنع بالمصلحة التي يجب مراعاتها وبالعدل الذي هو المعيار الذي يجب أن يضبط تدخل صاحب السلطة يقول الشوكاني: ووجه المنع من التسعير أن الناس مسلطون على أموالهم، والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من النظر إلى مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم، فالشوكاني يثير قاعدة مقطوعًا بها، إن الحاكم ليس له أن يحابي طرفًا ليستفيد طرف آخر، ولما كانت مصلحة البائع أن يبيع سلعته بالثمن الذي يرغب فيه، دون أن يلزم أحدًا بالشراء منه، وكانت مصلحة المشتري أن يحصل على مرغوبه بأقل ثمن ممكن، ولما تعارضت المصلحتان وجب على الحاكم أن يعتزل عن التدخل، وأن يترك لكل من المتبايعين الاجتهاد لمصلحة نفسه، ذلك هو شأن البيع الذي هو باتفاق مبني على المكايسة، والمماسكة. فهذه النظرية التي يدافع عنها الشوكاني هي نظرية العرض والطلب في تحديد الأسعار، وقبول كل طرف بالنتائج المترتبة على ذلك، فكما يعجز الحاكم عند رخص الأسعار وخسارة التجار أن يفرض على المشترين سعرًا أرفع، فكذلك ليس له إذا غلت الأسعار أن يخفض منها لفائدة المشترين، وهذه النظرية هي نظرية سليمة في بادئ الرأي لو كانت الحياة تجري على نسق وفرة العرض وقلته، ووفرة الطلب وضآلته، ولكن التجار قد يتدخلون لإعطاء صورة مفتعلة ليوفروا لأنفسهم أرباحًا أكثر، كما سنبينه.

فهذه النصوص التي ذكرناها، والأدلة المستندة للقواعد التي حللناها، يعارضها من ناحية أخرى أدلة وقواعد يمكن الاستناد إليها، فمن ذلك الاحتكار فقد ورد في الاحتكار أحاديث كثيرة رويت بطرق متعددة تدل على تحريمه، فقد روى مسلم قال: كان سعيد بن المسيب يحدث أن عمر بن عبد الله العدوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من احتكر فهو خاطئ)) .

إن تتبع المذاهب في الاحتكار يدل على اتفاق المذاهب في الحقيقة وإن ظهر اختلاف بينها – بعد أن بينت كل المذاهب في الاحتكار في بادئ الرأي – ذلك أن المذاهب الأربعة تتفق على أن الاحتكار المحرم هو ما كان طريق التحصيل عليه الشراء من السوق، وإن المنتج والجالب للسلعة من مكان بعيد حر التصرف في سلعته، له بيعها وادخارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>