للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: إن الادخار في الوقت الذي يكثر فيه العرض كثرة تفوق الطلب لا حرمة فيه، بل هو مستحب حتى لا تهبط الأسعار هبوطًا يعزف معه المنتج عن الإنتاج.

ثالثا: أن العلة التي يظهر بين الحين والآخر مؤثرة في الترحيم هو قولهم: تعلق حق العامة إذا لم يضر ذلك بالناس. والضرر – كما صرح به ابن العربي – هو غلاء الأسعار، ومن هذه النقطة يظهر وجه ربط الاحتكار بالتسعير، لماذا أتيت به؟

فالمذاهب الأربعة تحرم الاحتكار، وتعطي المحتسب الحق في التدخل حفاظًا على استقرار الأسعار، فهم جميعًا يعتبرون أن استقرار الأسعار مصلحة عامة، وأن الحرية مصلحة خاصة تهدر في مقابلة المصلحة العامة. وأما التفرقة بين الطعام وغيره واختلافهم في تحديد الأطعمة، وإدخال اللباس وعدم إدخاله، إنما هو اختلاف في التدقيق في النظر، فمن تعمق في تقدير الحاجات الإنسانية التي لا بد منها لم يقصر تحريم الاحتكار على القمح والشعير، ومن رأى أن ذلك هو الضروري لبقاء الحياة قصر التحريم، والذي يظهر أن الاحتكار على مستويين المستوى الأول: ما تستطيع المجموعة مقاومته بالامتناع عن الشراء حتى يضطر المحتكرون إلى النزول بسلعهم للسوق. وهو مستوى من التوكل عند المؤمن ورضا بالمقدور، وعند غير المؤمن مستوى متدنٍ، وعلى كل فإن تهافت البشر على ما ليس ضروريًّا لحياتهم يتحملون بتهافتهم قسطًا من اندفاع المحتكر للاحتكار، فالمسئولية موزعة ولذا رأى أكثر الفقهاء أنه لا حرمة فيه والمستوى الثاني: هو أن لا تستطيع المجموعة التأثير على المحتكرين لكون الاحتكار في عيش البشر وما لا يصبرون على اقتنائه، وهنا فالاحتكار طلبًا للغلاء حرام إذ ترضخ الجماعة للأسعار التي يفرضها المحتكرون، فمن راعى هذه الدقة قصر التحريم على الضروري، ومن راعى أن المستوى العام للمجموعات البشرية أنها لا تصبر على المفقود عمم في تحريم الاحتكار.

وعلى كل فإن التأثير في غلاء الأسعار هو الذي أباح للمحتسب التدخل وحرم الاحتكار على المحتكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>