للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبجانب الاحتكار أيضًا – ما يدل على تدخل الحاكم للتسعير – فقد ورد في الشريعة ما يبيح انتقال الملك بقيمة المثل إلى غير صاحبه وبدون رضاه، فمن ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم ومالك عن عبد الله بن عمر من أعتق شركًا له في عبد فكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عنه ما عتق.

فالحديث نص على أن المعتق لنصيبه من العبد المشترك عليه إن كان واجدًا أن يدفع إلى شركائه قيمة حصصهم بعد أن يقوم العبد بقيمة المثل، ومن ذلك أيضا الحديث الذي رواه البخاري وأحمد، عن جابر ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)) ، أجمع العلماء على جواز الأخذ بالشفعة وهي في حقيقتها إجبار المشتري على تمكين الشريك من الحصة التي اشتراها بنفس الثمن الذي اشتراها به، فهي تتضمن خروج الملك عن مالكه بغير رضاه، وأن القيمة محددة هي ثمن الشراء ليس له أي أدنى حظ من الربح.

فإذا كان الشارع قد أباح انتزاع ملكية العبد من سيده جبرًا وبسعر محدد هو سعر المثل لتحقق العتق الذي يتشوف له الشارع، وإذا كان الشارع قد أجبر المشتري للشقص على بيع شقصه بالثمن الذي اشتراه به الدفع الضرر عن الشريك وهي مصلحة جزئية لا أفضلية للشريك إلا بالسبق الزمني في التملك، فالتسعير أولى بالقبول، ولذا فإن العلماء بعد اتفاقهم على منع التسعير، أخذوا ينظرون في القضية نظرة جديدة، ومن ذلك ما ذكره ابن العربي في العارضة، وقال سائر العلماء بظاهر الحديث أي بمنع التسعير، ثم قال: والحق التسعير وضبط الأمر على قانون لا تكون فيه مظلمة على أحد من الطائفتين، وذلك قانون لا يعرف إلا بالضبط للأوقات ومقادير الأحوال وحال الرجال والله الموفق للصواب وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم واستلموا إلى ربهم وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى.

فابن العربي نظر إلى القواعد الشرعية فرأى أنها جاءت بالعدل وأن لا يمكن المهرة من الإثراء بوساطة التلاعب في الأسواق وإغلاء الأسعار وأن الحاكم قد نصب لإقامة العدل بين الناس، وأن سياسة البشر الذين يغلب عليهم تقوى الله والإيثار تخالف سياسة البشر الذين همهم ملء خزائنهم والاستئثار وطغيان حب الذات والأنانية ولو بالتضييق على الناس فما حكم به صلى الله عليه وسلم حق في الوقت الذي حكم به.

<<  <  ج: ص:  >  >>