للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى ذلك أن هذه قضية عين لا عموم لها، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن نص الحديث لا يدل على أن الغلاء كان نتيجة عبث بالسوق وإنما ارتفع الثمن في سوق المدينة تبعا لعوامل موضوعية لا دخل للتجار فيها، ولذلك ابتدأ صلى الله عليه وسلم بالكشف عن الفاعل في الغلاء بقوله: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق)) فارتفاع الأسعار عهده كانت متسببة عن تصرف إلهي حكيم في الكون تعرف آثاره ولله الحجة البالغة وهو ما يفهم عنه الرواية الأخرى بل أدعو الله.

إذن هما اتجاهان الأول لأصحاب المذاهب لا يتدخل السلطان ولا نائبه في التسعير أصلًا. الاتجاه الثاني أن للسلطان أو نائبه حق التدخل في التسعير إلا أن هذا التدخل في التسعير للمصلحة قد اختلف فيه الفقهاء تبعًا لتحديدهم للمصلحة المسوغة لذلك كما أن ميادين التدخل قد تكون في السلع المعروضة في السوق عند التجار وقد تكون في السلع المجلوبة وقد تكون في الخدمات البشرية، وقد تكون في الانتفاع بالمباني والآلات.

القسم الأول – تدخل السلطة في أثمان المبيعات:

الحنفية يقول الطوري، إن الثمن حق البائع وإليه تقديره فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا كان أرباب الطعام يحتكرون على المسلمين ويتعدون تعديًّا فاحشًا وعجز السلطان عن منعه إلا بالتسعير، والتعدي الفاحش هو تضعيف القيمة، يقول في الدر المختار وأفاد أن التسعير في القوتين (أي قوت البشر والأنعام) ثم قال لكن إذا تعدى أرباب غير القوتين وظلموا العامة فيسعر عليهم الحاكم بناء على قول أبي يوسف، فالحصكفي جعل القول بتسعير الحاكم في غير القوتين إذا أضر بالعامة غير منصوص لأئمة المذهب، ولكنه مخرج على قول أبي يوسف أن كل ما أضر حبسه بالناس فهو احتكار في أصل مذهب الحنفية أن الإمام أو نائبه لا يتدخل في تسعير قيم المبيعات إلا في القوت إذا تلاعب التجار بالسوق حتى بلغ الضعف نصًّا في المذهب وغير القوت قياسًا على القوت.

المالكية: سئل القاضي أبو عمر بن منظور عن التسعير، فكان مما أجاب به أهل الأسواق والحوانيت الذين يشترون من الجلاب وغيرهم جملًا، ويبيعون ذلك على أيديهم قيل هم كالجلاب الحكم واحد في كل ما مضى لا فرق قاله عبد الله بن محمد والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، وقيل إنهم بخلاف الجلاب، لا يتركون على البيع باختيارهم إذا غلبوا على الناس، وأن على صاحب السوق أن يعرف ما اشتروا ويجعل لهم من الربح ما يشبه وينهى عن الزيادة ويتفقد السوق فيمنع من الزيادة على ما حد، ومن خالف أمره عوقب بما يراه من الأدب أو الإخراج من السوق إن كان البائع معتادًا لذلك مشتهرًا به، وهو قول مالك في سماع أشهب، وإليه ذهب ابن حبيب، وقال به من السلف جماعة، ولا يجوز عند واحد من العلماء أن يقول لهم بيعوا بكذا وكذا ربحتم أو خسرتم من غير نظر ما يشترون به وإلا أن يقول لهم فيما اشتروه لا تبيعوه إلا بكذا وكذا مما هو مثل الثمن الذي اشتروه به أو أقل. وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترون، فلا يتركهم أن يغلوا في الشراء، ولو لم يزيدوا في الربح إذ قد يفعلون ذلك لأمر ما، مما يكون نتيجته ما فيه ضرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>