للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع صاحب السلعة:

الجالب والمنتج: قد يكون صاحب السلعة جالبًا للسلعة والرأي الغالب أن الجالب لا يسعر عليه، أصله ما رواه مالك في موطئه أن بلغه، أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قال لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من إذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء أو الصيف، فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله، فهذا الحديث يدل على حرية الجالب في التسعير لا يتسلط عليه، وكذلك المنتج يبيع سلعته بالثمن الذي يرغب فيه لا يتسلط عليه الحاكم فيحدد له الثمن إلا أنه إذا كان أهل السوق قد جرى بينهم سعر فجاء الجالب ليرفع في الثمن أو ليخفض فيه فإنه لا يتعرض له في تحديد الثمن، ولكن هل يرفع من السوق أولًا؟ خلاف، فمالك اعتمد ما رواه من حديث عمر رضي الله تعالى عنه مع حاطب بن أبي بلتعة فعن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن عمر بن الخطاب مر على حاطب بن أبي بلعة، وهو يبيع له زبيبًا بالسوق فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا، فهم بعضهم أن حاطبًا كان يبيع بالدرهم أقل مما يبيع غيره، فنهاه عمر عن ذلك ليحط من الثمن ويسير مع ثمن أهل السوق، وقيل بل إن حاطبًا كان يبيع بالدرهم أكثر مما يبيع به غيره وهذا مفضٍ للخصام بين من يخفض في الثمن وأهل السوق، ولذلك لم يفرق كثير من العلماء في الخروج عن الثمن بين الزيادة والنقص، قال ابن القصار: اختلف أصحابنا في قول مالك ولكن من حط سعرًا، فقال البغداديون أراد: باع خمسة بدرهم والناس يبيعون ثمانية بدرهم، وقال قوم من البصريين أراد من باع ثمانية والناس يبيعون خمسة فيفسد على أهل السوق بيعهم وربما أدى إلى الشغب والخصومة، قال ابن القصار وعنه أن الأمرين جميعًا ممنوعان ورأي ابن رشد هذا – الذي أيده – هو غلط ظاهر إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك فعله لوجه الناس، ويؤجر إن فعله لوجه الله بهذا عقب صاحب الطرق الحكيمة.

يتبين مما سبق أن التسعير لا يعطي لصاحب السلطة الحق في التعسف في الحكم وفرض السعر على الناس حسب تقديره الخاص ولا يمكنه من التسعير بالاعتماد على رأي المشترين وإنما يجمع هيئة تتألف من التجار والخبراء، ويعتمد المعطيات الحقيقية من ثمن الشراء وما يرغب التجار في الاستمرار على القيام بدورهم من إيصال السلع إلى الراغبين فيها، وعلى هذا فالسعر غير ثابت وإنما هو تابع لتقلب السوق واختلاف القيم، يقول صاحب التيسير في أحكام التسعير: يجب على صاحب السوق الموكل لمصلحته أن يجعل لهم من الربح ما يشبه ويمنعهم من الزيادة عليه ويتفقدهم في ذلك ويلزمهم إياه كيفما يتقلب السعر زيادة أو نقصانًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>