للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه القول: إن العمل ليس عرفًا للأقوال، فلا يكون له سلطان عليها. بل سلطانه على الأفعال.

أو نقول: إن ذلك يقضي إلى تقديمها على ألفاظ صاحب الشرع فلا بد أن يقضى على العادات بالألفاظ الشرعية.

بيان ذلك: إن قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية ٢٧٥] ، لو كان مخصوصًا بغير الربا الذي اعتادوه فيما بينهم بطلت فائدة الآية.

إنما نزلت لصدهم عن العادة الذميمة ومنعهم منها. فأجرى ما كان اللفظ متناولًا له ودالًا عليه على ما كان شائعًا معتادًا، ولأن الحاجة إنما تدعو إلى بيان ما يتم به البلوى دون ما كان نادرًا، فهذا النوع من العادات لا يجوز أن يخصَّ به الألفاظ.

أما العرف القولي: فسلطانه على الأقوال لأنه عرف لها فيخصصها ولا سلطان له على الأفعال لأنه ليس عرفًا لها.

ثمرة الخلاف: لو حلف السلطان لا يلبس ثوبًا، أو لا يأكل خبزًا، فأكل خبز الشعير أو لبس الكرباس يحنث، وإن كانت عادته عدم تناوله.

وإن حلف هو أو غيره أن لا يأكل رؤوسا، فأكل رؤوس السمك لم يحنث، لأن العرف خصص الرءوس بذوات الأربع.

وفي هذا المقام لا بد من البناء على أصل وهو: أنه إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب كل أمة بلغتهم وبما يتعارفونه جاز التخصيص بهذه الألفاظ لأنها أقرب إلى البيان.

وإن ثبت أنه يخاطب الناس باللغة الأصلية – دون العادة واللغة العرفية – فلا يجوز تخصيص ألفاظه صلى الله عليه وسلم بالعادة المطردة (١)

رأي الكوثري في حجية العرف

- وأما تحكيم العرف على النصوص فلم يقع من مسلم ولن يقع.

والتعامل بين المسلمين بالمعدنين المسكوكين – من غير وزن – إنما هو للعلم بوزنهما من قيام رقابة ساهرة عليه جد السهر وليس ذلك من تحكيم العرف من شيء (٢) ، وقال: وأحكام الشرع هي: ما فهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم على موجب اللسان العربي المبين.


(١) الزركشي. المنثور في القواعد: ٢ /٣٩٣؛ وابن برهان البغدادي. الوصول إلى الأصول: ١ /٣٦٠.
(٢) الكوثري. المقالات: ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>