للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمل الفقهاء إنما هو الفهم من الكتاب والسنة، وليس لأحد سوى صاحب الشرع دخل في التشريع مطلقًا.

وأما المتأخرون من الفقهاء فليس لهم إلا أن يتكلموا في نوازل جديدة لا أن يبدوا آراء في الشرع على خلاف ما فهمه من النصوص رجال الصدر الأول الذين هم أهل اللسان، المطلعون على لغة التخاطب بين الصحابة قبل أن يعتورها تغيير وتحرير، والمتلقون للعلم عن الذين شهدوا الوحي.

فما فهموه من الشرع فهو المفهوم.

وما أبعدوه عن أن يكون دليلًا بعيد أن يتمسك به.

وإنما يكون الكلام فيما لم يتكلموا فيه، أو اختلفوا في حكمه.

ثم يبدي تخوفه من هذا المسلك فيقول:

يأسف المسلم كل الأسف من وجود أناس في أزياء العلماء تحملهم شهوة الظهور على التظاهر بمظهر المستدرك على فقهاء الصدر الأول، وعلى محاولة ابتداع أساليب بها يحرفون الكلم عن مواضعه، ويجعلون الشرع الواضح الصريح الأحكام يتقلب مع الزمن وذلك لأجل التقرب إلى الذين لا يضمرون للإسلام خيرًا.

تراهم يقولون: عندنا العرف، وعندنا المصلحة بهما تتغير الأحكام ... يريدون بذلك أن يجعلوا شرع الله متقلبًا مع الزمن ومع الظروف.

إلى أن قال: وليس للعرف في الشرع إلا ما بينه علماء المذاهب في كتب القواعد وكتب الأصول والفروع.

من مثل: حمل الدرهم في العقود على المتعارف في البلد، وكذا الرطل، وكون المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا، وزوال خيار الرؤية برؤية المشتري إحدى غرف الدار عندما كان العرف جاريًا بين الناس ببناء دورهم متساوية الغرف (١) .

وعدم زوال الخيار المذكور عند تغير (الغرف) العرف المذكور.

واعتبار اللفظ صريحًا في معنى تعورف فيه بخلاف ما إذا نقل إلى معنى آخر وتنسي المعنى الأول.

وحمل الطعام واللحم على البر ولحم الضأن في بلد تعورف تخصيصهما بهما إلى غير ذلك مما هو مفصل في التحقيق الباهر في شرح الأشباه والنظائر (لهبة الله التاجي) والمجموع المذهب في قواعد المذهب (للصلاح العلائي) وغيرهما من الكتب المؤلفة في قواعد المذاهب وهي الواسطة بين الفروع والأصول ...


(١) الكوثري المقالات: ص ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>