للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: وليس في شيء منها عد عرف طائفة شرعًا مشروعًا حتى يظن أن عمل أهل المدينة في عهد الفقهاء السبعة ليس بالعمل المتوارث طبقته عن طبقة عن النبي صلى الله عليه وسلم اغترارًا بتقولات بعض الماجنين. فليتقِ الله المرجفون في محاولاتهم تغيير الشرع باسم العرف (١) .

وقال في موضع آخر:

ليس العرف في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ، [سورة الأعراف: الآية ١٩٩] بمعنى العادة الجارية هنا وهناك.

بل هو الحكم المعروف الذي لا ينكره الشرع، ولا يستقبحه العقل بل يقره الشرع ويستحسنه العقل.

يوصي الله سبحانه في الآية المذكورة بالتسامح مع الناس في المعاملة الشخصية معهم والمجاهرة بحكم الله في غير هوادة، وترك الالتفات إلى من يحاول إيصال الأذى في هذا السبيل.

فمن فسر العرف هنا بالعادة فقد فسر الرأي بدونه مدرك لا في الرواية ولا في الدراية وإنما عرف العرف بمعنى العادة بعد زمن الوحي، كما لا يجهل ذلك أهل العلم بأطوار اللغة (٢) .

تخصيص العرف للقياس والأثر: لا يصلح العرف عند أهل العلم أن يكون للقياس أو الأثر إلا إذا كان عامًّا متوارثًا – فضلًا عن أن يكون قاضيًا على النص.

وأما الخاص فإنما يثبت به الحكم الخاص ما لم يخالف القياس والأثر فلا يصح أن يكون مخصصًا لهما.

شروط اعتبار العرف والعادة:

إن اعتبار العرف والعادة مشروط بشروط.

منها ما هو عام في جميع الاستعمالات، ومنها ما هو خاص ببعضها.

ويمكن إيجازها فيما يأتي:

الشرط الأول: أن يكون كل من العرف والعادة مطردًا أو غالبًا.

ومعنى الاطراد: أن يكون العرف شائعًا مستفيضًا بمعنى: أنه لا يختلف عند أحد من أهل العرف سواء أكان عامًا أم خاصًا.

ومعنى الغلبة: أن يكون العرف أكثريًّا بمعنى أنه لا يختلف إلا عند قلة من الناس وهذا لأن العرف بين الناس وتمكنه من نفوسهم بحيث ينسب إليهم جميعًا لا يتم إلا بالاطراد والغلبة وهو المراد، من قول الفقهاء (إن العبرة بالشائع لا بالنادر) ، أي المعتبر في العرف الذي هو مبنى الأحكام: الاعتياد الغالب الذي لا يتخلف إلا عند القليل، فالاعتياد المطرد أدخل في الاعتبار.

وهذا الشرط عام في جميع استعمالات العرف والعادة (٣) .


(١) الكوثري المقالات: ص:١١٧، ١٨٨.
(٢) ص ٣١٩.
(٣) أبو سنة محاضرات. المدخل: ص ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>