للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الرغم من وجود شبه كبير بين القواعد القانونية وقواعد العادات الاجتماعية فإن هنالك مواطن اختلاف وافتراق هامة بينهما لأننا نرى أن قواعد العادات الاجتماعية التي تستهدف تسهيل الحياة الاجتماعية وتذليل الصعوبات بالنسبة للأفراد والمجتمعات لم تكن تستند تمام الاستناد إلى العقل وإنما يتحكم فيها مصدر الصدفة، بينما القواعد القانونية تأتي للحفاظ على النظام الاجتماعي في المجتمعات، ومن هذه الحيثية فهي تحظى أهمية كبيرة ومن هذه الأهمية تأخذ القواعد القانونية صفتها الاستقلالية في الوجود والاستمرارية دون أن تراعي رضا وموافقة أتباعها بحيث أنها لا يمكن أن تلغي فاعليتها لمجرد وجود مخالفة ضدها أما قواعد العادات الاجتماعية فهي على العكس من ذلك، لأنها قواعد اتفاقية (conventionnelle) ، بمعنى أنها لا يمكن أن تأخذ صفة استقلالية في الوجود إلا مع موافقة أتباعها ومعتنقيها لتوقف تأثيرها الفعلي على إرادة واستجابة العاملين بها والمتمسكين بأحكامها والحاصل أن القواعد القانونية ومنها قواعد العرف تمتاز عن قواعد العادات الاجتماعية بتضمنها الصفة الإلزامية " القاطعة " (apodictique) ، لما يجب أن يكون (devoir etre) ، بينما قواعد العادات الاجتماعية لا تتضمن إلا صفة إلزامية " غير قاطعة " (Problematique) ، لما يجب أن يكون.

ومن البداهة هنا أن تكون علاقة متينة بين قواعد العادات والقواعد القانونية لكون كل واحدة منهما تنحو منحى اجتماعيًّا وتستهدف تنظيم الحياة الاجتماعية، وبما أن كل قاعدة اجتماعية يمكن لها أن تكتسي النمط القانوني، فمن الممكن جدًّا أن تتشكل وتتكون قواعد العرف من العادات الاجتماعية وهكذا فإن مجموع القواعد العرفية التي تعمل عمل القاعدة القانونية وتنجز مهمتها وذلك بصفة منفصلة عن القانون المكتوب (droit ecrit) ، تشكل القانون العرفي (droit coutumier) وهذه القواعد تتميز عن القواعد القانونية المكتوبة في كونها لم تكن قواعد بيانية مكتوبة معبرًا عنها من طرف مرجع من مراجع السلطة التشريعية، وإنما هي حصيلة قناعة تجلت في ضمير الجماهير، ولذا يطلق على العرف اسم " القانون التلقائي " (droit spontane) .

إلا أنه يجب أن لا يخلط هنا بين القواعد العرفية التي تلعب دور مصدر القانون بشكل مباشر وبين قواعد العادات الاجتماعية لأن العرف يتميز أساسا بما يلحقه من صفة ملزمة ناتجة من الاعتقاد في إلزامه نفس إلزام القواعد القانونية " الشعور القانوني " (opinio necessitates) ، أي من الاعتقاد في وجود جزاء أو إجبار عام أو جماعي ذي طابع قانوني يكفل احترامه، وعلى هذا النحو يتميز " العرف " عن مجرد " العادة " ويتميز عن قواعد العرف حتى العادات الاجتماعية التي لها مكانة هامة في العلاقات القانونية والتي لم تصل في إلزاميتها إلى درجة العرف. ويسمى هذا النوع من العادات الاجتماعية " العادة الاتفاقية " (usage conventionnel) ، وتترتب على هذه التفرقة نتائج من عدة وجوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>