للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الأول

مكانة مفهوم " العرف والعادة "

في أدب الفقه الإسلامي

١-بصورة عامة:

١-١ مكانة العرف والعادة في التشريع الإسلامى بصفة عامة:

إن الإسلام أولى اهتمامًا متزايدًا لمنهج التدرج في ميدان التشريع كما اهتم أشد الاهتمام في تطبيق هذا المنهج بكل دقة للوصول إلى الهدف المنشود ويفهم ذلك بكل وضوح من حديث عائشة رضي الله عنها (١) .

وإن منهج التدرج في التشريع يفيد مراعاة موازنة التأثير والتأثر وعدم التشدد عندما يؤتى بأحكام تقتضي ترك الأمور المعتادة المألوفة التي تركت آثارًا عميقة في الحياة الفردية والاجتماعية، كما يفيد ذلك أيضا عندما توضع أحكام تكليفية إيجابية جديدة ومع ذلك فإن المرحلة النهائية لمنهج التدرج تتجلى في وضع الحكم المطلوب تأسيسه بدون انتقاص أو تنازل عن المبدأ.

وبهذه الصورة والكيفية تكون السلسلة التشريعية في الإسلام حائزة على طابع يراعي هذه الموازنة بدقة وحساسية (٢) لأن الإسلام استطاع أن يزيل من المحيط الذي واجهه في أول الأمر أمورًا اعتيادية كثيرة كانت لها آثار عميقة في الحياة الفردية والاجتماعية، بمنهج التدرج في التشريع مذيبًا ردود الفعل التي كان يمكن أن تؤثر في السلطة التشريعية كما تمكن في نفس الوقت من وضع القواعد التي يريد وضعها بصفة نهائية ولا شك أن تلك التأثيرات العميقة التي أشرنا إليها آنفًا قد نتجت ونشأت بصفة عامة عن الأعراف والعادات المتبعة آنذاك إذن، يمكن أن نقول إن التشريع الإسلامي لم يكن بعيدًا عن الاهتمام إزاء تأثيرات الأعراف والعادات في الحياة الاجتماعية للأفراد والمجتمعات.


(١) البخاري، الجامع الصحيح، فضائل القرآن: ص ٦. " ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا "، ولو نزل لا تزنوا لقالوا " لا ندع الزنا أبدًا.
(٢) انظر لأمثلة متعلقة بتطبيق منهج التدرج في التشريع الإسلامي: بهنسي (أحمد فتحي) ، السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، مطابع دار الشروق (بيروت والقاهرة) ، ١٩٨٣م، ص ٢٩-٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>