للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحقيقة أن أول تعريف للعرف والعادة أمكن التوصل إليه في أدب الفقه الإسلامي هو ما ظهر في الكتاب المسمى " المستصفى " المتعلق بفروع الفقه للفقيه الحنفي أبي بركات حافظ الدين النسفي المتوفي سنة ٧١٠ /١٣١٠ (١) ونحن في صدد البحث والدراسة عن الأمور المتعلقة بالعرف والعادة في الفقه الإسلامي، نرى إلزامًا علينا أن نتطرق إلى نقطة تتعلق بتعريف العرف والعادة ألا وهي إقدام أساتذة كرام اشتهروا بآثارهم القيمة في العالم الإسلامي أمثال الشيخ محمد أبي زهرة رحمه الله (٢) ، والشيخ مصطفى أحمد الزرقاء (٣) والدكتور محمد سلام مدكور (٤) والدكتور عبد العزيز الخياط (٥) إلى إسناد تعريف للعرف والعادة إلى الغزالي قائلين أثناء نقلهم له " إن الغزالي عرف العرف والعادة في كتابه المستصفى كما يلي ... " إلا أنه تبين لنا من خلال تحقيقاتنا في هذا الميدان أن سبب هذا الالتباس، قد نتج عن اتباعهم بالفقيه الحنفي ابن عابدين الذي ألف رسالة مستقلة في العرف والعادة عندما كان يعرف العرف والعادة بتعريف الإمام النسفي قائلا: " وفي شرح الأشباه للبيري عن المستصفى.. " دون أن يصرح اسم المؤلف ويرجع المؤلف إلى صاحبه الحقيقى (٦) ، مع أن المراد من كتاب المستصفى هنا لم يكن المستصفى الشهير الذي ألفه الإمام الغزالي وإنما هو الكتاب المسمى بالمستصفى أيضا والذي ألف من طرف الفقيه الحنفي الإمام النسفي المشار إليه آنفًا.

وتتجلى لنا أهمية تطرقنا إلى هذه النقطة من جهتين: الأولى: ثبوت أن أول تعريف للعرف والعادة – أمكن التوصل إليه – لم يكن منشؤه الغزالي (المتوفى سنة ٥٠٥ /١١١١) ، وإنما كان قد صدر ذلك عن الإمام النسفي الذي عاش متأخرًا عن الغزالي بقرنين من الزمن أما الجهة الثانية: - وهي الأهم بالنسبة لنا - كون هذا التعريف الخاص بالعرف والعادة لم يرد في كتاب من كتب علم الأصول وإنما ورد في كتاب من الكتب التي تهتم بالفروع الفقهية (٧) لأن تناول العرف بتعريف مستقل – وإن كان يشكل مقدمة لنظرية خاصة بالعرف – فإن الأمر الأهم من حيث أخذه مكانته الخاصة بين الأدلة الشرعية وحصوله على نظرية مستقلة هو دخوله أو عدم دخوله في أدب علم أصول الفقه.


(١) أبو سنة (أحمد فهمي) ، العرف والعادة في رأي الفقهاء، مصر، ١٩٤٨م، ص٨.
(٢) في كتابه " مالك "، مصر، ١٩٥٢م، ص٤٢٠.
(٣) في كتابه " الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد – المدخل الفقهي العام " دمشق، ١٩٦٤م، ٢ /٨٣٨ هامش رقم ٢ و ٢ /٨٤٠هامش رقم١.
(٤) في كتابه " المدخل للفقه الإسلامي "، القاهرة، ١٩٦٩م، ص٢٢٨.
(٥) في كتابه " نظريه العرف "، عمان، ١٩٧٧ م، ص٢٣.
(٦) ابن عابدين، رسالة العرف المذكورة، ٢ /١١٢.
(٧) ولا يجب من إفادتنا هنا عدم استعمال لفظي " العرف " و " العادة " وعدم وجود أي توضيح في هذا الموضوع في المؤلفات السابقة حتى إننا نعثر على عبارة قريبة جدًا من تعريف النسفي للعرف عند الجصاص (المتوفى سنة ٣٧٠هـ /٩٨٠م) ، وذلك أثناء تناوله لفظ " المعروف " الذي يستعمل أيضا في معنى " العرف "، انظر " أحكام القرآن " له استانبول، ١٣٣٥ هـ، ٣ /٣٨ ومن المفيد أن نبين هنا أن هذين اللفظين وخاصة لفظة " العادة " قد استعملا غالبا في كتب الأصول بمعنى القوانين التجريبية أو المسلمات العقلية، انظر على سبيل المثال: الجويني (إمام الحرمين) ، البرهان في أصول الفقه، تحقيق: عبد العظيم الديب، دوسة، ١٣٩٩هـ، ٢ /٧٦٧، الغزالي، المستصفى من علم الأصول، مصر، ١٣٢٤هـ، ١ /٤٥، ١٧٦، ١٧٧، البخاري (عبد العزيز) ، كشف أسرار شرح أصول البزدوي، استانبول، ١٣٠٨هـ، ٣ /٢٥٩؛ الشيرازي، الوصول إلى مسائل الأصول، تحقيق: عبد المجيد تركي، الجزائر، ١٩٧٩م، ٢ /٢٤١، ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>