للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢-١- دور العرف والعادة في منهجية القانون:

إن المنهج الذي يجب أن يتبع في حل مسألة حقوقية قد أصبح معلومًا في بيانات معاذ بن جبل الموجزة التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم (١) وعليه، إذا وجد في الكتاب أو السنة نص خاص يستطيع أن يتناول في حكمه القضية القانونية التي يتحرى فيها الحكم طبق هذا النص، أما إذا لم يوجد لجئ إلى الاجتهاد فيها ولكن المقصود من " الاجتهاد " هنا هو الاجتهاد في المفهوم الضيق لأن وجود نص خاص يستطيع أن يتناول في حكمه القضية الحقوقية لا يعني أنه لم يدع مجالًا لاختلاف الآراء أبدًا؛ بل على العكس من ذلك، يمكن أن يجب تناول هذا النص والتفكير فيه لفهم مقصود الشارع منه تارة في إطار ألفاظه وتارة في إطار معاني ألفاظه، فالنشاطات البيانية هذه التي تنصب على الألفاظ والمعاني تسمى " بالاجتهاد البياني " إذن، فإن " الاجتهاد " في مفهومه الواسع يتضمن نشاطات تفسير النصوص أي الاجتهاد البياني أيضا (٢) أما الاجتهاد في مفهومه الضيق (الذي يلجأ إليه في حالة عدم وجود نص يستطيع أن يتناول في حكمه القضية القانونية) له نوعان رئيسيان:

فالنوع الأول عبارة عن تحديد " العلل الموجبة للأحكام " في كل حكم " بصورة خاصة "، ليتخذ منها مقياس من مقاييس الحكم فيما يراد إضافته على النصوص بطريق القياس، ويطلق عليه اسم " الاجتهاد القياسي ".

والنوع الثاني هو تحديد " روح الشريعة بصورة عامة " ليتخذ منها أصل من أصول التشريع للحكم في كل حادث جديد استنادًا إلى المصالح المرسلة، ويسمى هذا النوع " بالاجتهاد الاستصلاحي " (٣) .

ففي حالة وجود نص خاص يمكن تطبيقه بشكل مباشر على المسألة الحقوقية لا يمكن أن يلعب العرف والعادة أي دور من الأدوار مثلًا لا يمكن أن يتوصل إلى حكم جديد بأي نوع من أنواع العرف في مسألة التبني المعتبر عادة عند العرب كالبنوة الحقيقية بعد أن ألغي هذا الحكم بنص قرآني صريح.

والآن سنلقي نظرة إلى أدوار العرف والعادة في الحالات الأخرى المتقدمة (في الأنواع الثلاثة للاجتهاد) .

٢-١-١ في الاجتهاد البياني:

(أ) في التفسير اللفظي:

على الرغم من فسح المكان للآراء الخاصة بموضوع " التخصيص بالعرف القولي " و"التخصيص بالعرف العملي " في بحوث أصول الفقه، فإنه في حقيقة الأمر يمكن القول بأن الخصائص اللغوية قد تنوولت هناك في إطار مفهوم العرف والعادة وسنشير إلى هذين الدورين للعرف والعادة بإيجاز شديد فيما يلي:

أ- دور العرف القولي:

إن التخصيص بالعرف القولي هو قصر العام على بعض أفراده بموجب " مفهوم القول "، لا بموجب " مفهوم التعامل "، وذلك مثل الدراهم في مكان ما حيث تطلق وتقال ولا يفهم منها في العرف القولي إلا النوع المتعارف عليه في ذلك المكان، والمراد من العرف القولي في تخصيص النص هو العرف البياني الخاص الذي يوجه الاستعمال في عصر نزول القرآن وورود السنة، أي ما كان يفهمه المسلمون، وما يحيط بالاستعمال في شئون تقييده، لأنها تقيد القول، وتجعله في دائرته هنالك اتفاق بين علماء الأصول وعلماء اللغة في دور العرف القولي في تقييد المطلق وتخصيص العام (٤) .


(١) انظر لمتن هذا الحديث ولنقده: أبو داود، السنن، أقضية: ١١؛ الترمذي، السنن، أحكام: ٣؛ ابن حنبل، مسند: ٥ /٢٣٦ – ٢٤٢؛ السرخسي، أصول: ٢ /١٠٧؛ ابن حزم، ملخص أبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل، دمشق، ١٩٦٠ م، ص ١٤،١٥؛ الشوكاني، إرشاد الفحول، مصر، ١٩٣٧، ص ٢٠٢.
(٢) الغزالي، المستصفى: ٢ /٢٢٩؛ البخاري، كشف الأسرار: ٣ /٢٦٨.
(٣) الدوالبي، أصول الفقه، ص ١٣٣ – ١٣٦، ٣٨١ – ٣٨٢، ٤٣٤؛ انظر لتسمية " الاجتهاد القياسي "؛الغزالي، المستصفى: ٢ /٢٣٣
(٤) ابن عبد الشكور، مسلم الثبوت؛ والأنصاري، فواتح الرحموت، مصر ١٣٢٤ هـ، ٢ /٣٤٥؛ الدواليبي، أصول الفقه، ص ٢٣٥، ٢٣٦؛ أبو سنة، العرف والعادة، ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>