للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- دور العرف العملي:

أما التخصيص بالعرف العملي هو قصر العام على بعض أفراده بموجب " تعامل الناس " ببعض أفراده لا بموجب " مفهومه القولي " فلو كان من عادة المخاطبين في المكان الذي جاء فيه النص تناول طعام خاص كالبر مثلًا وورد الخطاب بتحريم الطعام كقوله: " حرمت عليكم الطعام " فقد انصرف التحريم عند من قال بتخصيص العام بالعرف العملي إلى ذلك النوع من الطعام فقط، رغم أن له مفهومًا عامًا لديهم ويدل على البر وغيره كما يوجد اتفاق بين علماء الأصول في تقييد المطلق بالعرف العملي غير أنهم اختلفوا حول دوره في تخصيص العام، وقد اشتد الخلاف خاصة بين الحنفية والشافعية، فذهب الحنفيون إلى تخصيص العام بالعرف العملي بينما الشافعية يخالفونهم في ذلك والرأي الغالب عند المالكية يوافق تمام الموافقة لرأي الأحناف إلا أن القرافي من المالكية والزيلعي من الحنفية لا يذهبان إلى رأي مذهبهما في هذه المسألة والأستاذ أبو سنة، بعد أن تعرض لهذا الخلاف بصورة واسعة يبين ترجيحه الشخصي في اتجاه الرأي الحنفي (١) .

(ب) في التفسير بالمعني:

كما هو معلوم فإنه يتم تفسير القانون سواء عن طريق بحثه من ناحية اللفظ أو بحثه من ناحية الروح (المعنى) ، وفي نهاية هذا التفسير إذا ما تساوت النتيجة التي تم الحصول عليها مع المفهوم الذي تم استخراجه من لفظ القانون، يقال لهذا التفسير " التفسير المقرر " أو " التفسير البياني " (interpretation declarative) ، أما إذا كان يختلف عن المفهوم المستخرج من لفظ القانون كان هذا التفسير تفسيرًا يحدث في اللفظ تغييرًا، وهذا التفسير يمكن أن يكون في اتجاهين:

إما أن يوسع ما تم فهمه من اللفظ فيطلق عليه " التفسير الواسع " (interpretation extensive) .

وإما أن يضيف ما تم فهمه من اللفظ فيطلق عليه " التفسير الضيق " (interpretation restrictive) .

أ – في التفسير المقرر:

هنا نجد تطابقًا بين النتيجة المستحصلة من التفسير بالمعنى الذي يأخذ العرف والعادة في الاعتبار وبين النتيجة الحاصلة من تفسير لفظ النص ويسمى هذا التفسير الذي يأخذ العرف بعين الاعتبار في النظريات الحقوقية المعاصرة " بالتفسير التعاملي " كما يسمى العرف الذي أخذ بعين الاعتبار " العرف المؤيد " (la coutume confirmatoire) يمكن توضيح هذا النوع من التفسير بالمثال التالي:

يرى أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني جواز بيع أراضي مكة – وهذا إحدى الروايتين من أبي حنيفة أيضا – مستندين إلى ما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم ((هل ترك لنا عقيل من ربع)) ، فالنتيجة الحاصلة من التفسير اللفظي لهذا الحديث قد أيدت بالتعامل وقيل: " وقد تعارف الناس بيع أراضيها والدور التي فيها من غير نكير وهو من أقوى الحجج " (٢) ويظهر أن هذا النوع من العرف يرجع في حقيقته إلى مفهوم " السنة التقريرية " (٣) .


(١) الغزالي، المستصفي، ٢ /١١١، ١١٢؛ نفس المكان من " مسلم الثبوت " و" فواتح الرحموت "؛ الدوالبي، أصول الفقه، ص ٢٣٤، ٢٣٥؛ أبو سنة، العرف والعادة، ص ٩١ – ٩٤، ١٢٤ – ١٢٥.
(٢) الزيلعي، تبيين الحقائق، ٦ /٢٩ ونلاحظ دورًا للعرف يشبه بذلك الدور في مبحث ترجيح الأخبار: فالغزالي يذكر كسبب من أسباب الترجيح بين الخبرين أن تعمل الأمة بموجب أحد الخبرين، انظر: المستصفى: ٢ /٣٩٦.
(٣) انظر عنوان: " دور العرف والعادة " في الاجتهاد القياسي " من هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>