للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- في التفسير الضيق:

المقصود هنا، هو تخصيص العام بالمصلحة التي تتجلى في دائرة العرف والعادة فمثلًا، إن المعنى المفهوم من لفظ الآية الكريمة التي تقول: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (١) ، يتجه نحو تكليف الأمهات بإرضاع أولادهن دون تفريق بينهم غير أن الإمام مالك يقول: " إذا كانت المرأة شريفة القدر لا يلزمها إرضاع ولدها إن كان يقبل ثدي غيرها للمصلحة العرفية في ذلك حيث جرى العرف لدى أمثالهن على أن تستأجر لأولادهن المراضع " (٢) .

ويجدر بنا أن نسترعي الانتباه هنا أنه لا يكون دور العرف في تأييد المعنى الناتج عن لفظ النص وكذلك في تخصيص النص العام (سواء في التفسير اللفظي أو في التفسير بالمعنى) بيت القصيد إلا إذا كان ذلك العرف مقارنًا لورود النص المبحوث فيه، أما إذا كان العرف حادثًا بعد ذلك النص، فإن هذا العرف لا يعتبر ولا يصلح مخصصًا للنص التشريعي باتفاق الفقهاء ولو كان عرفًا عامًّا لأن التخصيص تفسير لمراد الشارع من نصه منذ صدوره عنه، فلا يمكن أن يعتبر النص العام النافذ على عمومه مخصصًّا منذ صدوره بعرف سيحدث فيما بعد، وربما لا يحدث، كما أشار إلى ذلك الأستاذ الجليل مصطفى أحمد الزرقاء (٣) ونحن نشاركه الرأي فيما اعترض على كلام ابن عابدين الذي قال: " ... لأن العرف العام يصلح مخصصا للنص " بدون تمييز في هذا الضابط بين العرف القائم عند وردود النص، والحادث بعده (٤) ومع وجود أحكام فقهية تدفع الباحث في الوهلة الأولى إلى نتيجة أن العرف الحادث أيضا يلعب دور تخصيص النص العام، فإنه يجب تحقيق القضية في تلك المواطن بدقة والحقيقة أن النصوص في مثل هذه الحالات مخصصة بعللها؛ أما دور العرف الطارئ عبارة عن تسجيل انتفاء تلك العلل إذن، فإنه يتم أولا في مثل هذه الحالات تفسير غائي (interpretation teleogique) - وذلك بتثبيث علة الحكم المصرحة من طرف النص وإما باستنباطها من طرف المجتهد – وبعد ذلك، فلو تثبت الفقيه من انتفاء العلة بدلالة العرف، حكم بأن الحكم انتفى في دائرة حدود انتفاء العلة وفقًا للقاعدة الأصولية التي تقول: " إن الحكم يدور مع علته وينتفي مع عدمه " (٥) .


(١) [سورة البقرة: الآية ٢٣٣] .
(٢) الزرقاء (مصطفى أحمد) المدخل الفقهي العام (نقلًا عن " أحكام القرآن " لابن العربي) : ٢/ ٨٩٤.
(٣) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٩٠٢، سنتناول حالة الاصطدام بين العرف والنص في الباب الثاني.
(٤) ابن عابدين، رسالة العرف السابقة: ٢ /١١٤، ١٢٢، ١٢٣.
(٥) السرخسي، أصول: ٢/ ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>