للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلًا، في عقود المعاوضات، مع عدم صحة شرط لا يقتضيه العقد عند الأحناف الذين أخذوا في ذلك بظاهر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ((قد نهى عن بيع وشرط)) ، فإنه يمكن قبول صحة مثل هذا الشرط عندما يصبح عرفًا لأن علة الحكم القائل بعدم جواز مثل هذا الشرط كانت من أجل إزالة النزاع بين المتعاقدين، فبوجود العرف تكون العلة منتفية (١) بالوفاء أيضًا، يستند في الأصل إلى شرط فاسد ولذا كان هذا النوع من البيوع ممنوعًا قبل أن يصبح عرفًا إلا أنه لما أصبح عرفًا جوزه الفقهاء نتيجة انتفاء العلة المشار إليها آنفًا (٢) .

ج- في التفسير الواسع:

من الطبيعي أن يكون كل مادة من مواد القانون في إطار اللغة التي يوضع فيها الحكم المراد تفسيره وفي المتن الذي يتضمن على خاصيات هذه اللغة فتارة تكون ألفاظ هذا المتن مبنية على عادات البيئة التي جاء فيها الخطاب وفي مثل هذه الحالات يجب أن لا يفهم القصد من الحكم من المفهوم الذي استحصل من الألفاظ، وإنما عن طريق العادات التي كانت سببًا في احتواء المتن لهذه الألفاظ.

وكمثال لهذا النوع من التفسير في الحقوق الإسلامية نريد أن نشير هنا إلى الحديث الذي أحرز مكانًا في أدب الفقه الحنفي والذي اشتهر باسم " النص المبتنى على العرف " وهذا الحديث الذي يعرف أيضا بحديث " الربا " يشير إلى أربع مواد (الحنطة والشعير والتمر، والملح) ، مبينا ضرورة التبادل فيها بالكيل كما يشير إلى مادتين أخريين (الذهب والفضة) مبينًا ضرورة التبادل فيهما بالوزن وفي الحقيقة أن أكثر الفقهاء الأحناف قد فسروا الحديث بهذا المعنى، ذاهبين في ذلك إلى إضافة الحكم بشكل مطلق للفظي " الكيل " و"الوزن " اللذين وردا في الحديث؛ فعلى هذا الرأي لا يجوز التبادل في المواد الأربعة المذكورة إلا بالكيل كما لا يجوز التبادل في المادتين الأخريين إلا بالوزن غير أن الإمام أبا يوسف في أثناء تناوله لهذا الحديث وتفسيره له لم يكتف بالتفسير اللفظي المجرد وإنما ذهب إلى كون هذه الألفاظ مبنية على عادات ذلك الوقت تماشيًّا مع قاعدة " النص المبتنى على العرف " متوسعًا بذلك في تفسير الحديث وفي الحقيقة عندما ننظر إلى الحديث بدقة يمكن التوصل إلى أن الحكم المستهدف فيه لم يكن يتعلق بضرورة التبادل " بالوزن " أو " الكيل " وإنما هو عدم وجود التفاضل في التبادل ومنع الربح غير المشروع (٣) :


(١) البابرتي، العناية شرح الهداية، مصر، ١٣٠٦هـ، ٦ /٧٦؛ الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢/ ٩٠١.
(٢) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٩٠١، ٩٠٢ هذا من ناحية انتفاء النزاع بين الطرفين أما موافقة البيع بالوفاء لمبادئ وقواعد الفقه الإسلامي من كل الجهات أو عدم موافقته لها فقضية أخرى يمكن أن يناقش فيها.
(٣) مع أن السرخسي – وهو واحد من أصحاب الرأي المشار إليه آنفًا – يبين أن " المراد في ذلك الحديث المماثلة من حيث القدر" (المبسوط: ١٢/ ١١١) ، فإنه يصل أيضًا من خلال ألفاظ الحديث إلى نتيجة تعين النمط في التبادل باستصواب الرسول صلى الله عليه وسلم استنادًا إلى مفهوم، " التقرير " كما يفهم هذا من عبارته التالية: " والأصل أن ما عرف كونه مكيلًا على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فهو مكيل أبدًا وإن اعتاد الناس بيعه وزنًا وما عرف كونه موزونًا في ذلك الوقت فهو موزون أبدًا، وما لم يعلم كيف كان يعتبر فيه عرف الناس في كل موضع إن تعارفوا فبه الكيل والوزن جميعًا فهو مكيل وموزون، وعن أبي يوسف أن المعتبر في جميع الأشياء العرف لأنه إنما كان مكيلًا في ذلك الوقت أو موزونًا في ذلك الوقت باعتبار العرف لا بنص فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنا نقول تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم على ما تعارفوه في ذلك الشيء بمنزلة النص منه فلا يتغير بالعرف لأن العرف لا يعارض النص، المبسوط ١٢ /١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>