للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما سبب استعمال لفظي الكيل والوزن فلم يكن إلا تأثرًا بالعادة الجارية آنذاك (١) .

وهكذا فقد استحسن اجتهاد أبي يوسف هذا من طرف كثير من الفقهاء المتأخرين وأصبح موضوع مدح وثناء (٢) كما يلاحظ تأثير اجتهاد أبي يوسف هذا في مسائل مشابهة لها صلة بالعرف (٣) .

ونلاحظ أيضا نفس الوضعية إزاء الحديث الذي يقول: ((الوزن وزن أهل مكة والكيل كيل أهل المدينة)) وقد انتقد الخطابي انتقادًا شديدًا الذين اعتبروا وزن أهل مكة وكيل أهل المدينة مقياسين غير متغيرين، وجمدوا روح مضمون الحديث في دائرة الألفاظ (٤) ولا شك أن المعلومات المتعلقة بالوضع الاقتصادي والمالي لمكة والمدينة والتفسيرات التي تمت مع أخذ الاعتبار لتلك الأوضاع الاقتصادية والمالية تنور لنا الطريق في فهم مثل هذه الأحاديث (٥) .

٢-١-٢ في الاجتهاد القياسي:

إن دور العرف والعادة في هذا النوع من الاجتهاد يكون في أكثر الأحوال في طابع غير إيجابي (٦) لأنه يكون مانعًا لتعدي حكم الأصل إلى الفرع، ولأنه يتجلى كتسجيل لانتفاء المشابهة والمساواة بين الأصل والفرع من ناحية علة الحكم.


(١) انظر: الجصاص، أصول الفقه، مخطوط، ق ٢٧٦ /ب؛ ابن همام، فتح القدير: ٦ /١٥٧؛ يقول إسماعيل حقي إيزميرلي في هذا الصدد: " إن أبا يوسف لا يفضل العرف على النص وإنما يفهم النص بمساعدة العرف " في مقاله: " أسس الإجماع والقياس والاستحسان " (باللغة العثمانية) ، جريدة " سبيل الرشاد " المجلد: ١٢، العدد: ٢٩٥، ص ١٥٤ انظر للروايات الأخرى لهذا الحديث التي تلقي ضوءًا على الحكم المقصود وضعه، ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مصر، ١٩٧٥م، ٢ /١٤١ وما بعدها.
(٢) انظر ابن عابدين، رسالة العرف السابقة: ٢ /١١٦؛ رشيد باشا، روح المجلة (باللغة العثمانية) ، استانبول، ١٣٢٦هـ، ١ /١٢٣.
(٣) انظر: البابرتي، العناية: ٦ /١٥٧.
(٤) انظر: الخطابي، معالم السنن (شرح سنن أبي داود) ، حلب، ١٩٣٤م، ٣ /٦٠-٦٤.
(٥) انظر: المعلومات التي تلقي ضوءًا على الموضوع: الكتاني (محمد عبد الحي) ، التراتيب الإدارية، رباط، ١٣٤٦هـ، ١ /٤١١- ٤١٥؛ الشريف (أحمد إبراهيم) ، مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول القاهرة١٩٦٥ م، ص ٣٧٤، ٣٧٥.
(٦) إلا أنه ينبغي أن يلاحظ أن السلبية هنا لم تكن تتعلق بالحكم الذي توصل إليه وإنما هي متعلقة بطابع دور العرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>