للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢-٢-٣ في تفسير التصرفات القانونية:

من المعروف أن التصرفات القانونية (وبالتالي التعبير عن الإرادة عند القيام بتلك التصرفات) تشكل سببًا هامًّا سواء لكسب الحقوق أو انقضائها (١) فنحن هنا سنعمل من أجل الإشارة إلى دور العرف والعادة في تفسير التعبير عن الإرادة بشكل موجز.

إذا كانت الألفاظ قد استعملت في غير معانيها الحقيقية بموجب العرف القائم في ذلك ينصرف الكلام إلى المعاني المقصودة بالعرف حين التكلم وإن خالفت المعاني الحقيقية التي وضع لها اللفظ في أصل اللغة فلو صرف كلام المتكلم إلى حقيقته اللغوية دون العرفية التي هي معناه في عرف المتكلم لترتب عليه إلزام المتكلم في تصرفاته القولية بما لا يعنيه هو ولا يفهمه الناس من كلامه (٢) ، وعن هذا أثبت الفقهاء القاعدة القائلة " الحقيقة تترك بدلالة العادة " والتي احتلت مكانًا بين القواعد الكلية في مجلة الأحكام العدلية (٣) ولهذا النوع من العرف (العرف اللفظي) أهمية كبيرة في المسائل المتعلقة بالتصرفات القولية مثل الإقرار والطلاق والوقف ونحوها (٤) .

هذا في حالة ما إذا كان التعبير عن الإرادة بعبارة مصرحة، أما إذا كان التعبير عن الإرادة بصورة ضمنية فدور العرف (العرف العملي) يتجلى في تفسيره أكثر وضوحًا وفي إمكان الباحث أن يجد عبارات كثيرة مثل (الشرط العرفي كالشرط اللفظي) و " المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا " و " التعيين بالعرف كالتعيين بالنص " و " العادة محكمة " مع أمثلة عديدة لهذا النوع من أدوار العرف في المؤلفات الفقهية الإسلامية (٥) وتسمى هذه العادات في النظريات القانونية الحديثة " العادات الاتفاقية " فمثلا إن كيفية دفع أجرة المأجور يتبع فيها شرط العاقدين، ولكنهما إذا لم يشترطا شيئا كان كيفية الدفع عندئذٍ تخضع للعرف في التعجيل أو التأجيل أو التقسيط (٦) .

ويجدر بنا أن ننبه إلى أن معظم العبارات الواردة في المواطن التي يعلم فيها الكاتبون من أجل إبراز أهمية العرف والعادة في الفقه الإسلامي لا تتعلق إلا بدور العادات في إنارة الطريق أمام من يقوم بتفسير التصرفات القانونية، وبالتالي إلى أن سهمًا هامًّا من المكانة التي يحرزها العرف في أدب الفقه الإسلامي راجع إلى هذا النوع من العرف.


(١) انظر مثلًا: عبد الباقي (عبد الفتاح) ، نظرية الحق، القاهرة، ١٩٦٥ م، ص ٢٥٥ وما بعدها؛ فرج الصدة، أصول القانون: ص ٥٤٨ وما بعدها.
(٢) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٤٩
(٣) المادة: ٤٠.
(٤) انظر في هذا الموضوع: السرخسي، أصول: ١ /٩٠؛ ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، بيروت ١٩٧٣، ٣ /٤٦؛ ابن نجيم الأشباه والنظائر، استانبول، ١٢٩٠هـ، ١ /١٣٠؛ وشروح المجلة تحت المادة: ٤٠
(٥) انظر: ابن سلمون، العقد المنظم للحكام، القاهرة، ١٣٠١ هـ، ١ /٣٣، ٣٤، والمواد: ٣٦، ٣٧، ٤٣، ٤٤، ٤٥ من مجلة الأحكام العدلية.
(٦) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٦٤ انظر لأمثلة عديدة في هذا الموضوع: ابن فرحون، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، القاهرة ١٣٠١ هـ، ٢ /٦٣، ابن نجيم، الأشباه والنظائر: ١ /١٣٩؛ كوزل حصارى، منافع الدقائق شرح مجامع الحقائق، استانبول، ١٣٠٨هـ، ص ٣٢٤ وشروح المجلة تحت المواد المذكورة في الهامش السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>