للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك، فإن القرآن الكريم لم يبين مقدار النفقة التي تعطى بصفة إجبارية للأزواج من طرف الزوج، بل اكتفى بالحكم على تعيين ذلك المقدار في دائرة " المعارف " (١) . حيث أرجع أكثر الفقهاء تعيين مقدار إلى العرف والعادة (٢) .

وكذلك أيضا قبول حق خيار المجلس لكل من المتبايعين ما لم يتفرقا استنادًا إلى الحديث المعروف، كما ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي حيث قبل خيار المجلس قبل افتراق المتعاقدين، أما بعد ذلك فلم يقبله. وهذه هي النتيجة القانونية فالحاكم سيستفيد من العرف والعادة لتثبيت الواقعة القانونية (أي لتثبيت حصول الافتراق أو عدم حصوله) (٣) .

ويمكننا أن نعطي مثالا للموقف الثاني أي ترك تعيين النتيجة القانونية لتقدير الحاكم بعد تحديد الواقعة القانونية، ترك بعض العقوبات التعزيرية لتقدير الحاكم بعد أن عينت الجرائم التي تقتضيها.

أما موقف تعيين الواقعة القانونية من جهة وتعيين النتيجة القانونية من جهة أخرى، فإنه من الممكن أن نذكر كمثال له حالات ترك تعيين الجرائم التعزيرية من جهة وتعيين العقوبات التعزيرية من جهة أخرى مفوضة لآراء الحكام فالحاكم سيستفيد من الأعراف والعادات عند استعمال سلطة التقدير في مثل هذه الحالات ففي جريمة التعدي على الكرامة بالشتم والإهانة مثلًا، إنما يعتبر من الكلام جرمًا يستحق قائله العقوبة التعزيرية ما يكون في عرف الناس شتمًا وإهانة والعقوبة التعزيرية نفسها أيضًا، إنما تكون شرعًا بالقدر الذي يعتبر كافيًا للقمع في نظر العقلاء وعرفهم بحسب درجة الجرم (٤) .


(١) سورة البقرة: الآية ٢٣٣. فلمثل هذه الحالات يستعمل الجصاص مصطلح " الاستحسان " إلا أن المقصود من هذا الاستحسان عنده هو الاستحسان المتفق عليه لدى الجميع لا المختلف فيه، انظر: أصول الفقه له، (مخطوط) ق. ٢٩٤/أ، ٢٩٤/ب؛ انظر أيضًا: السرخسي، أصول: ٢ /٢٠٠، ٢٠٧؛ الآمدي، الأحكام: ٤ /١٣٦؛ البخاري، كشف الأسرار: ٤ /١٣. ويمكن أن نقول في هذا الموضوع: إذا فهمت كلمة " المعروف " هنا وفي الأماكن المماثلة بمعنى "العرف والعادة " يكون النص ذاته قد أحال الحكم على العرف والعادة مباشرة، أما لو فهمت بمعنى " المقاييس المعقولة حسب الحال والشرائط " فعند ذلك تكون سلطة التقدير للحاكم بيت القصيد وفي هذه الحالة يكون العرف قد لعب دورًا في إنارة الطريق للحاكم أثناء استعمال سلطة التقدير
(٢) أبو سنة، العرف والعادة: ص ٤٧
(٣) أبو سنة، العرف والعادة: ص ٤٧
(٤) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٤٨؛ أبو سنة، العرف والعادة: ص ٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>