للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢-٢-٢- في حالات وجود سلطة التقدير للحاكم:

لم تكن القواعد القانونية دائمًا في مستوى واحد من حيث إفادتها القطعية ففي بعض الحالات من أجل توفير السهولة في التطبيق أو من أجل ملاحظات العدالة (quite) وما شابهها، أعطيت للقاضي سلطة التقدير ويقال في نظم الحقوق المكتوبة لهذه المواقف " الفراغات الداخلية " (luchan intra legem) ، فالحاكم يقوم بملء هذه الفراغات اعتمادًا على السلطة التي منحها له القانون وفي إطار حدودها فقد أعطيت سلطة التقدير للحاكم تارة في الواقعة القانونية وتارة في النتيجة، منحها له القانون وفي إطار حدودها القانونية وتارة أخرى في كلتيهما (١) .

ومن الممكن في الفقه الإسلامي أيضًا أن يكون المجتهد قد وجد نفسه في نفس الموقف تجاه النص وكذلك القاضي تجاه تطبيق الحكم المستنبط من النصوص.

أما العرف والعادة فدورهما في الحالات التي تتاح فيها فرصة استعماله سلطة التقدير عبارة عن إنارة الطريق له أثناء استعماله لهذه السلطة وبعبارة أخرى، فإنهما يلعبان دورًا مساعدًا في هذا الميدان. ونحن سنكتفي هنا بإعطاء بعض الأمثلة لبيان دور العرف والعادة في المواقف الثلاثة المذكورة:

مثلًا، إن القرآن الكريم اشترط العدالة في الشهود (٢) . فهذه هي النتيجة القانونية المبينة بالنص وبناء على هذا، تقبل شهادة من يتصف بالعدالة وترد شهادة من لم يتصف بها. غير أن تقدير أنواع الأفعال التي تطيح من قيمة الفرد في المجتمع والخصوصات التي تزيل وصف العدالة يكون راجعًا إلى الحاكم، أي أن سلطة تثبيت الواقعة القانونية متروكة له. فأعراف وتقاليد المجتمع وكذلك الملاحظات العامة المنبثقة منه تضيء الطريق للحاكم أثناء استعماله لهذه السلطة (٣) ، كما يبين ذلك جيدًا المثال الذي أورده الشاطبي (٤) .


(١) DESCHENAUX (Henri) , Traite de Droit civil. Suise Fribourg, ١٩٦٢, p.٩٢ ets.
(٢) سورة الطلاق: الآية ٢
(٣) أبو سنة، العرف والعادة: ص ٤٦. ويجدر الإشارة إلى أنه لا يعترف بدور العرف والعادة في تثبيت اتصاف أو عدم اتصاف الرواة بوصف العدالة) وله إطار خاص في علم مصطلح الحديث) في رواية أخبار الآحاد، انظر: صديق حسن خان، حصول المأمول من علم الأصول، استانبول، ١٢٩٦ هـ، ص ٥٧، ٥٨
(٤) انظر: الشاطبي، الموافقات: ٢ /٢٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>