للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيد أن العرف، نظرًا لاحتلاله مكانًا خاصًّا بين المصادر الشكلية للحقوق في الفقه الغربي، لا يشعر المؤلفون بحاجة إلى مناقشات واسعة حول وصف المصدرية للعرف، بل يتطرقون إلى مسائل فلسفية مثل منشأ القواعد العرفية وقوتها الإلزامية ويبحثون في أركان العرف وشروط اعتباره انطلاقًا من كون العرف مصدرًا من مصادر الحقوق وبطبيعة الحال، فإن العرف الذي يتسم بسمة القاعدة القانونية يشكل المحور الأساسي في هذه النظرية وإلى جانب ذلك تم تناول الموضوعات الجانبية لتلك النظرية مما لم يرتقِ إلى هذه المرتبة من العادات الاتفاقية والعادات التي تلعب الدور المساعد لتفسير القانون أو أحال عليها القانون في بعض المسائل.

أما في الفقه الإسلامي، فيبدو لنا أن عدم اعتبار العرف فيه مصدرًا مستقلًّا بصورة صريحة يشكل العامل الأساسي الذي يتعسر معه وضع نظرية خاصة به، فالمؤلفون الذين أشرنا إليهم آنفًا رغم علو قدرهم واستفادتنا منهم كثيرًا (ولا سيما الشيخين الجليلين أبي سنة والزرقاء) ، تناولوا العرف في أغلب الأحيان دون أن ينتبهوا إلى هذه النقطة وما للعرف من أدوار مختلفة، فلم يحالفهم الحظ في عرض فكرة واضحة عن مكانة العرف وأدواره المختلفة في الفقه الإسلامي.

وبما أننا بينَّا مكانة مفهوم العرف والعادة في أدب الفقه الإسلامي ومختلف أدوار العرف في الباب الأول من هذا البحث سنكتفي بتحليل عناصر هذه النظرية وبتقييم عام للعرف في هذا الباب.

٢- العادة والعرف في اللغة والاصطلاح:

٢-١- العادة لغة واصطلاحًا:

العادة في اللغة اسم من أصل العود ويفيد تكرير الفعل والانفعال والمعاودة عليه –دون بذل جهد خاص – حتى يصير تعاطيه سهلًا كالطبع، ولذلك قيل: " إن العادة طبيعة ثانية (١) .

أما في الاصطلاح فقد عرفها ابن أمير الحاج بأنها " الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية " (٢) فهذا التعريف يعطي مفهومًا شاملًا واسع الحدود للعادة في الاصطلاح، لأن لفظ " الأمر " هنا يشمل كل حادث يتكرر ولبيان هذا الشمول يمكن الإشارة إلى الحالات التالية كما ورد في كتابي كل من الشيخ أبي سنة والشيخ الزرقاء (٣) .


(١) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة ١٣٦٦هـ - ١٣٦٩ هـ، مادة: العود ": ٤ /١٨٢؛ الأصبهاني، المفردات في غريب القرآن، مصر، ١٣٢٤هـ، نفس المادة ص ٣٥٨؛ ابن منظور لسان العرب، بيروت، ١٩٥٥م – ١٩٥٦م، ٣ /٣١٥- ٣٢٣
(٢) ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير شرح التحرير لابن همام، بولاق، ١٣١٦هـ - ١٣٣٧ هـ، ١ /٢٨٢.
(٣) أبو سنة، العرف والعادة: ص ١٠-١١، الزرقاء، المدخل الفقهي، دمشق، ١٩٦٨م، ٢ /٨٣٩- ٨٤٠ تجب الإشارة إلى أن إحالاتنا على كتاب الزرقاء في هذا الباب من بحثنا ستكون على أساس الطبعة المذكورة هنا وذلك خلافًا لما جرينا عليه في الباب الأول، انظر: الهامش رقم ١٤ من الباب الأول لهذا البحث) .

<<  <  ج: ص:  >  >>