للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يجب التنبه إليه هنا هو أنه إذا احتاج فهم المعنى المقصود إلى قرينة أو علاقة عقلية لم يكن ذلك عرفًا بل هو من قبيل المجاز (١) وكثيرًا ما يكون أصل الألفاظ العرفية مجازات لغوية لا يفهم منها المراد إلا بقرينة ثم يتكرر استعمالها فتصير مجازات مشهورة، ثم يزداد شيوع الاستعمال حتى يفهم منها المراد من غير قرينة، وتهجر معانيها الأصلية حتى لا تفهم منها إلا بالقرينة، عندئذٍ ينعكس الأمر: فما كان مجازًا لغويًّا يصبح حقيقة عرفية وما كان حقيقة لغوية يصبح مجازًا عرفيًّا (٢) .

ومع أن الأستاذ أبا سنة يرى إمكانية استخراج نوع آخر للعرف من عبارات الفقهاء ويقسم العرف إلى " مقرر للمعنى اللغوي "، و" قاض عليه:، فإنه يبدو لنا أن اعتباره في إطار العرف اللفظي يكون أنسب وأفضل لأن المقرر ما طابق معناه المعنى اللغوي، والقاضي ما غيره بتخصيص أو تقييد أو إبطال (٣) ، وهذا كما هو بين لا يتجاوز نطاق العرف اللفظي.

وهذا النوع من العرف له أدوار مختلفة، منها " دوره في الاجتهاد البياني / التفسير اللفظي (تخصيص العام وتقييد المطلق) ودوره في تطبيق القانون / في حالات وجود سلطة التقدير للحاكم / وفي تفسير التصرفات القانونية، كما بيناها في الباب الأول (٢-١-١؛ ٢-٢-٢؛ ٢-٢-٣) (٤) ، والجدير بالإضافة هنا هو دور هذا النوع من العرف في تعيين الأحكام الشرعية التي تترتب على أقوال المكلفين، وبخاصة في مباحث اليمين، وألفاظ الطلاق، فهذا الدور تتجلى أهميته في أمور الفتوى خاصة.

٣-٣-٢- العرف العملي أو الفعلي:

هو ما اعتاده الناس من أعمال ما يتعلق بشئون حياتهم وتبادل مصالحهم وتصرفاتهم فمن أمثلة العرف في الأفعال العادية مما لا يقوم على تبادل المصالح وإنشاء الحقوق: اعتياد الناس في بعض الأماكن أكل نوع خاص من اللحوم كالضأن والبقر، أو استعمال نوع من الملابس والأدوات ونحو ذلك ومن أمثلته في المعاملات المدنية أي في التصرفات التي يقصد منها إنشاء الحقوق بين الناس أو تصفيتها أو إسقاطها سواء أكانت تلك التصرفات عقودًا أم غيرها: اعتياد الناس في اكتفائهم أو عدم اكتفائهم برؤية البيت من الخارج (في موضوع خيار الرؤية) (٥) ، وتعاملهم في وقف الأشياء المنقولة (٦) ، وتعارفهم على أن وضع اليد الطويلة على عقار دون سند شرعي أو ولاية دليل الملك (مسألة الحيازة) (٧) واعتيادهم في بيع بعض الأشياء الثقيلة مثل الحطب والفحم أن تكون على البائع حمولتها إلى بيت المشتري (٨) .


(١) القرافي، الفروق، الفرق: ٢٨، ١ /١٧١؛ الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٤٥ مع أمثلة " القرينة " و " العلاقة العقلية ".
(٢) انظر: القرافي، الفروق، الفرق:١٣٣، ٣ /٨٥؛ الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٣٤، ٨٣٥ مع الأمثلة
(٣) أبو سنة: العرف والعادة، ص٢٠ ,٢١
(٤) انظر أيضا: القرافي، الفروق، الفرق: ٢، ١ /٣٩ فما بعدها، والفرق: ٢٨، ١ /١٧١- ١٧٨.
(٥) النسفي، المستصفى، مخطوط، ق ٢٠٨ / ب، انظر لأمثلة أخرى: ٢٠٠/ب، ٢٠١ / أ، ٢٣٠ / ب، ٢٥٩ / أويقول النسفي كقاعدة: " ويحمل العقد على ما هو المعتاد " ٢٣٤/ ب.
(٦) السرخسي، المبسوط: ١٢ /٤٥.
(٧) الدريني، المناهج الأصولية، ص ٧٥٩ هامش ١
(٨) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٤٦، ٨٤٧؛ انظر: لأمثلة عديدة مما يتعلق بدور العرف العملي في تفسير العقود، القرافي، الفروق، الفرق: ١٩٩، ٣ /٢٨٣- ٢٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>