للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر فريق من الفقهاء الآية الأولى حين استنادهم إلى العرف والعادة في بعض المسائل الفرعية وعلى رأسهم القرافي وابن قيم الجوزية والطرابلسي (١) .

ومع أن هناك أقوالًا كثيرة حول المراد بالعرف في الآية مثل:

- أن المقصود منه شرائع الأنبياء السابقين ما لم يحدث إليه نسخًا.

- أن المراد منه العوائد الجارية في الأمصار الجامعة ما لم يخالف قاطعًا محكمًا.

- إن الآية نزلت في أخلاق الناس.

- أنه يعبر عن الفضائل الإنسانية (٢) .

فإن آراء أغلبية العلماء تنصب على أن الآية لا تدل على حجية العرف بالذات بل المقصود هنا هو المعروف، وأما المعروف فهو اسم جامع لكل ما هو من الدين سواء عرف حسنه بالعقل أو لم يعرف الأمن الشرع (٣) .

ونرى لزامًا علينا أن نشير إلى أن الدكتور الجيدي لم يلتزم المبدأ الذي حث الباحثين على التزامه – وهو مبدأ الاهتمام البالغ في نسبة القول إلى صاحبه ولو أدى ذلك إلى الإفراط في جلب النصوص (٤) حيث قال: " وقد بنى (يعني القرافي) استدلاله هذا على أن المراد بالعرف في الآية عادات الناس وما جرى تعاملهم به، فحيث أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمر، دل على اعتباره في الشرع، وإلا لما كان للأمر به فائدة " (٥) ، بيد أن هذا التعليق على الاستدلال القرافي يمكن اعتباره من قبيل حمل ما لم يقل به عليه، لأن القرافي لا يقول في هذا المضمار إلا الكلام التالي (بعد ذكر الآية) : " فكل ما شهد به العادة قضى به لظاهر هذه الآية إلا أن يكون هناك بينة " (٦) والنقطة الهامة هنا هي أن القرافي لا يستند إلى هذه الآية إلا في مقام الاستفادة من العادة كوسيلة لإثبات واقعة مادية لا في مقام الاعتماد عليه كمصدر للتشريع بينما الدكتور الجيدي يتمسك بهذا الدليل في الباب الذي عنونه " العرف كمصدر للتشريع " والحقيقة أن التعليق المذكور عبارة عما ورد في كتاب الأستاذ أبي سنة من بيان حول الاستدلال بالآية المذكورة حيث يقول – بعد ذكر عبارات كل من ابن عابدين والقرافي والطرابلسي -: " أقول " وهذا الاستدلال مبني على أن المراد ... " دون أن ينسب تفسيره الشخصي إلى أحد (٧) .


(١) القرافي، الفروق، الفرق: ١٦٠، ٣ /١٤٩؛ ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت، ١٩٥٣م، ص ٩٧؛ طرابلسي، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، بولاق، ١٣٠٠ هـ، ص ١٢٥.
(٢) انظر لأصحاب الآراء ومصادرها: الجيدي، العرف والعمل، ص ٥٤.
(٣) انظر: الجصاص، أحكام القرآن: ٣ /٣٧؛ ابن الأثير النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي – محمود محمد الطناحي، مصر، ١٩٦٣/، ٣ /٢١٦؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم،مصر، ١٣٠٠هـ، ث / ٢٨٠، ٢٨١، صديق حسن خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، بولاق، ١٣٠٠ هـ - ١٣٠١هـ، ٣ /٤٣٣؛ مناقشة الموضوع بصورة واسعة: أبو سنة، العرف والعادة: ص ٢٤، ٢٥.
(٤) الجيدي، العرف والعمل: ص ٥٢١.
(٥) نفس الكتاب ص ٥٣.
(٦) القرافي، الفروق: ٣ /١٤٩.
(٧) أبو سنة، العرف والعادة، ص ٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>