للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد في كتاب الأستاذ الزرقاء تقويمًا قيمًا في مسألة الاستدلال بهذه الآية على العرف حيث يقول: " ولا يخفى أن العرف في هذه الآية واقع على معناه اللغوي وهو الأمر المستحسن المألوف، لا على معناه الاصطلاحي الفقهي ولكن توجيه هذا الاستدلال هو أن العرف في الآية وإن لم يكن مرادًا به المعنى الاصطلاحي، قد يستأنس به في تأييد اعتبار العرف بمعناه الاصطلاحي، لأن عرف الناس في أعمالهم ومعاملاتهم هو ما استحسنوه وألفته عقولهم والغالب أن عرف القوم دليل على حاجتهم إلى الأمر المتعارف فاعتباره يكون من الأمور المستحسنة (١) .

أما الآية الثانية التي تضم لفظ العرف فلا يعول عليها في صدر الاستدلال بحجية العرف (٢) وإن كان هناك من يسعى إلى البحث عن علاقة الآية بالعرف انطلاقًا من معنى المعروف (٣) .

وإلى جانب هذا اللفظ ذكر في القرآن الكريم لفظ " المعروف " ثمان وثلاثين مرة (٤) ومع أن المعروف يفيد معنى " العرف، فإن استعماله في القرآن الكريم في أغلب الأحيان ورد في المعنى اللغوي وهو – كما سبق – اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس (٥) في معنى " النصفة " (٦) ، ففي هذه الحالة يكون للعرف دور مساعد لتعيين ما هو موافق للنصفة كما بينا ذلك في الباب الأول (٢-٢-٢، انظر أيضًا: الهامش رقم ٧٦) .

٤-١-٢ - السنة النبوية:

استدل عدد من العلماء ممن يستند إلى العرف والعادة أثناء استخراج أو بيان بعض الأحكام الفرعية استدلوا بالحديث الآتي على حجية العرف: " ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن " فهذا الحديث الذي اعتمد عليه العلماء الأحناف وغيرهم لإثبات حجية العرف (٧) ، لم يسلم من المناقشة سواء من ناحية رفعه أو من ناحية دلالته على المطلوب.


(١) الزرقاء، المدخل الفقهي: ١ /١٣٣.
(٢) الأصبهاني، المفردات: ٣٣٥؛ ابن منظور، لسان العرب: ٩ /٢٣٩
(٣) " والمرسلات عرفا": يعني الملائكة أرسلوا للمعروف والإحسان والعرف ضد النكر، وقيل: أراد أنها أرسلت متتابعة كعرف الفرس ابن الأثير، النهاية: ٣ /٢١٧؛ الآلوسي، روح المعاني، بولاق ١٣٠١هـ، ٩ /٢٥٧.
(٤) عبد الباقي (محمد فؤاد) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مادة " عرف " (سوى " معروفة ") .
(٥) ابن الأثير، النهاية: ٣ /٢١٦؛ ابن منظور، لسان العرب: ٩ /٢٣٩، ٢٤٠.
(٦) نفس المصدرين السابقين
(٧) السرخسي، المبسوط: ١٢ /٤٥؛ النسفي، المستصصفى، مخطوط، ق ٢٣٥/ ب؛ ابن الهمام، فتح القدير: ٧ /١٥٧؛ ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية: ص ٩٧؛ السيوطي، الأشباه والنظائر، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، بيروت، ١٩٨٧م؛ ابن نجيم، الأشباه والنظائر: ١ /١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>