للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من حيث رفعه فقد " قال العلائي: لم أجده مرفوعًا في شيء من كتب الحديث أصلًا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا عليه أخرجه الإمام أحمد في مسنده " (١) وإلى نفس النتيجة توصل علماء آخرون أمثال السخاوي والزيلعي (٢) ، على أن السرخسي ذكر هذا الحديث أثناء تناوله لأدلة حجية الإجماع من السنة بشكل يعطي انطباعًا أنه يعتبره حديثًا مرفوعًا (٣) ، وحتى أن الشيخ المرحوم أبا زهرة صرح بأنه روي مرفوعًا (٤) .

ويرى الأستاذ الزرقاء أن القاعدة التي تقضي بأن الخبر الموقوف إذا تضمن معنى تشريعيًّا يعتبر كالخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن هذه القاعدة تزيل نقطة الطعن لهذا الحديث من ناحية الرفع (٥) إلا أن الشيخ أبا سنة يقول ردًّا على مثل هذه الفكرة بالنسبة إلى هذا الحديث، " ولكنا نقول في الجواب عنه: إنه على فرض أنه في حكم المرفوع فإن دلالته على المطلوب لم تتم كما يأتي (٦) .

ومن جهة أخرى، لا يعد الغزالي هذا الحديث صالحًا لإثبات أصل من الأصول نظرًا لكونه من أخبار الآحاد (٧) .

وهنا نود الإشارة إلى دليل آخر من السنة يستدل به الدكتور عبد القادر شنار على حجية العرف في الفقه الإسلامي، كما ورد في كلامه: " أن الفقهاء المسلمين لا يزالون يعتبرون العرف سواء كان عرف العرب أو أعراف وعادات البلدان المفتوحة من لدن عهد الصحابة عملًا بالحديث النبوي الذي جاء فيه: يعمل في الإسلام بفضائل الجاهلية " ونعتقد أن المؤلف يناقض نفسه بنفسه لأنه يقول في الهامش: " لم يكن لنا العثور على هذا الحديث في المصادر التي في متناول يدنا مع أن الدكتور محمد حميد الله يذكره مرات عديدة " (٨) ولو كان الفقهاء يعتبرون هذا الحديث في مشروعية العرف لذكروه في المصادر وطالما لم يذكر فيها فلا يمكن إيضاح حجية العرف به عند الفقهاء وبالإضافة إلى ذلك إننا إذا نظرنا إلى مسند أحمد بن حنبل الذي يعتمد عليه الدكتور محمد حميد الله في نقله هذا الحديث نجد فيه – كما أشار إليه الدكتور شنار أيضًا – بعض الروايات المشتملة على عبارات التقدير والإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب سائب بن عبد الله شريكه في عهد الجاهلية وذلك يوم فتح مكة إذن، فلا ينبغي حمل بعض المزايا والمحاسن الخلقية التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، على العرف والعادة مباشرة ويؤكد ذلك ما ورد في الحديث: ((مرحبا يا أخي وشريكي كان لا يدارى ولا يمارى يا سائب قد كنت تعمل أعمالًا في الجاهلية لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك وكان ذا سلف وصلة)) (٩) .


(١) ابن عابدين، نشر العرف: ٢ /١١٥؛ " ... فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ " أحمد بن حنبل، المسند مصر، ١٣١٣ هـ، ١ /٣٧٩.
(٢) الزيلعي، نصب الراية: ٤ /١٣٣، ١٣٤؛ ابن نجيم، الأشباه والنظائر: ١ /١٢٦
(٣) السرخسي، الأصول: ١ /٢٩٩.
(٤) أبو زهرة، أبو حنيفة، ص ٣٥١ هامش ١.
(٥) الزرقاء، المدخل الفقهي: ١ /١٣٤ هامش ١.
(٦) أبو سنة، العرف والعادة: ص ٢٥.
(٧) الغزالي، المستصفى: ١ /٢٧٨ يجب الانتباه هنا إلى أن الغزالي لم يذكر هذا الحديث بصدد " العرف " وإنما عند تناول دليل " الاستحسان ".
(٨) (القياس والاستحسان والاستصلاح) : SEKER (Abulkadir) ، Kiyas-Istislah، ve Istislah، Ankara, ١٩٧٤,p٤٤.
(٩) أحمد بن حنبل، المسند: ٣٣ /٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>