للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجوينى: " من دقيق ما يجري في هذا الفن، وهو العلق النفيس (أي الشيء الغالي المحبوب) في هذا القبيل أن الشافعي ألحق إثبات الخيار والأجل في بابا الرخص، من جهة أن قياس التقابل في المعاوضات أن يخرج العوض عن ملك أحد المتعاقدين حسب (لعله خطأ صوابه: وقت) دخول مقابله في ملكه فإذا حل أحد العوضين، وتأجل الثاني كان ذلك خارجًا عن هذا القانون (. . .) والتأجيل أثبت فسخة لمن لا يملك الثمن في الحال، رجاء أن يتحمله (= يحتال له ويطلبه) إلى منقرض الآجال " (البرهان ٢/٩٣٤ – ٩٣٥) .

ومعرفة هذا مفيد في الاجتهاد، وبه يتأكد أن الغرر غرران: غرار كبير حرام، وغرر يسير مغفور.

٦-٤ سبب منع التأجيل (= النسا) في الأموال الربوية:

إن مبادلة كالذهب بالذهب. . . قد منع فيها النساء، لأن الفضل غير جائز فيها لأجل النساء، ولو جاز فيها النساء لاستتبع ذلك جواز الفضل، لكي تتحقق المعاوضة العادلة، ولو جاز هذا القرض الربوي، وهو ممنوع بنص القرآن والحديث، فذهب معجل بذهب مؤجل أكثر منه لا يجوز، سواء سمي هذا بيعًا أو قرضًا ربويًا لا فرق فالقرض الربوي ضرب من التجارة أو من المبايعة، ولكنها غير جائزة.

لكن علينا أن نلاحظ أن الذهب بالذهب. . . يجوز فيه النساء، إذا كان قرضًا، وعندئذ لا يجوز الفضل، لكي لا ينقلب القرض الحسن قرضًا ربويًا.

وأساس القرض مختلف عن أساس البيع، فالقرض أساسه الإحسان، والبيع أساسه العدل نعم في القرض الشرعي ربا نساء، ولكنه لصالح المقترض، فالقرض عقد إحسان أو إرفاق.

ولا نقول إن القرض جاز على خلاف القياس، بل نقول إن القرض أصل، والبيع أصل آخر مختلف عنه، وليس أحدهما أصلًا (قاعدة) والآخر رخصة (استثناء) ونوافق في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته النفسية عن القياس (انظر الفتاوى ٢٠/٥١٤) .

٦-٥ التقسيط في بيع السلع القيمية والمثلية:

السلع القيمية هي السلع القابلة للإجارة كالدابة والسيارة والآلة، والسلع المثلية هي السلع القابلة للقرض كالنقود والقمح، والشعير والتمر والملح (مستحضرين في الذهن حديث الأصناف الستة المتعلقة بالربا) .

قد يخطر في البال التفريق بين السلع القيمية والسلع المثلية في بيع التقسيط، فيقال بجواز زيادة الثمن المؤجل في السلع القيمية، دون المثلية، لأن القيمية قابلة للإجارة (=الكراء) ، باعتبار الأجر جائزًا، خلافًا للربا، أي يجوز أجر الآلة والعقار والدابة، ولا يجوز أجر النقود والأطعمة، لأن هذه الأموال لا تؤجر.

على أنه، وإن كان جواز زيادة الثمن المؤجل أوضح في السلع القيمية منه في المثلية، إلا أنها جائزة فيهما، بلا تفريق بينهما في الحكم، وقد أثبتنا جوازه في السلع المثلية في موضع آخر من هذه الدراسة (المبحث ٧-٣) ، فصار جوازه في السلع القيمية أوضح، فلا فرق في الحكم بينهما إذن، أي أن هذا الفرق بين القيمي والمثلي غير مؤثر في حكم زيادة الثمن للأجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>