للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا فإن الأجل قد منع شرعًا في بعض البيوع، منعا لربا القرض، أو سدًّا لذريعته، وفيما عدا ذلك من البيوع، فإن الأجل جائز، ومنه جاز بيع النسيئة (قمح معجل بذهب مؤجل) وبيع السلم (ذهب معجل بقمح مؤجل) ، وجوازهما ثابت في السنة.

فالأصل أن الأجل جائز في البيوع، عدا بيوعًا مخصوصة فإذا كان البيع نقدًا بسلعة، أو سلعة بنقد، أو خدمة بنقد، أو نقدًا بخدمة، وسواء كانت تلك السلعة قيمية (أي تقبل الإجارة كالآلة أو السيارة) أو مثلية (أي تقبل القرض كالنقد والقمح) ، فلا يختلف أحد من الفقهاء على جواز الأجل في هذا البيع، ما دام البدل المؤجل يقبل أن يكون دينًا في الذمة، أي مالًا مثليًا موصوفًا (كالنقد أو القمح) كما ذكر الفقهاء في شروط بيع السلم.

هذا وإن الأجل في بيع التقسيط قد يكون قصيرًا (أقل من سنة) ، أو متوسطًا (من سنة إلى خمس سنوات) ، أو طويلًا (أكثر من خمس سنوات) ، وذلك بحسب المدة التي تتوزع فيها الأقساط.

٦-٣ التأجيل (أو التقسيط) رخصة:

بيع السلم، عند جمهور الفقهاء، رخصة مستثناة من بيع ما ليس عنده، وهو البيع المنهي عنه في السنة النبوية الشريفة، فإذن قد يجوز منصوصان، وأحدهما أصل (قاعدة) والآخر رخصة (استثناء) ولهذا لا أوافق ابن تيمية (مع تقديري العام لرسالته في القياس) وابن القيم على قولهما: " ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس " (رسالة القياس في فتاوى ابن تيمية ٢٠/٥٥٦، وأعلام الموقعين لابن القيم ١/٣٣٥، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ٢/١٤٧ و ١٥٢ و ١٦١ و ١٧٤) .

كذلك التأجيل أو التقسيط رخصة، لأن في التأجيل غررًا، لكن يبدو أن هذا الغرر من الغرر اليسير المعفو عنه (= المغتفر) ، لا سيما وأن جواز التأجيل في البيع ثابت في النص.

فقد ذكر الإمام الشافعي أن السلم الحالّ أقل غررًا من السلم المؤجل، وقال: " الأعجل أخرج من معنى الغرر " (الأم ٣/٨٣ و ٨٥ و ٣٢) وهذا فقه عميق دقيق، ففي السلم المؤجل خطر انقطاع المُسْلَم فيه في الأجل، وخطر حوالة الأسواق (= تغيرات الأثمان) ، فالبدل المؤجل يقدر مقداره في ضوء ظروف واقعة ومتوقعة قد تتغير، فلا يتحقق التساوي بين البدل المعجل والبدل المؤجل، كما كان مقدرًا له، وهذا بخلاف ما لو كان البدلان معجلين في وقت واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>