للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: وعلله بالرفق للجانبين، " علله الحانوتي بالتباعد عن شبهة الربا، لأنها في باب الربا ملحقة بالحقيقة، ووجه أن الربح في مقابلة الأجل، لأن الأجل وإن لم يكن مالًا ولا يقابله شيء من الثمن، لكن اعتبروه مالًا في المرابحة، إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن، فلو أخذ كل الثمن قبل الحلول كان أخذه بلا عوض، والله سبحانه وتعالى أعلم ". ١هـ. (انظر أيضا الدرر المباحة للشيباني النحلاوي ص ٥٣) .

وقد رغم ابن القيم، في أعلام الموقعين ٣/٣٧١ وإغاثة اللهفان ٢ /١١، أن الحطيطة عكس الربا (انظر أيضا الإمام زيد لأبي زهرة ص ٢٩٥) ، لا يعني بهذا أن الحطيطة للتعجيل هي عكس الربا للتأجيل، فلو كان هذا ما أراده لكان صوابًا، بل يعني أن الحطيطة عكس الربا في الحكم الشرعي، وهذا غير صحيح، فالحطيطة نقصان للتعجيل، والربا زيادة للتأجيل، فكلاهما إذا تغير مناسب في المبلغ لأجل الزمن، فحقيقتهما الربوية واحدة (المنتقى للباحي ٥/٦٥، وغيره) ولعل الذي دفعه إلى ما قال هو أن الربا، بنظره، كله حرام، وهو يرى أن ضع وتعجل ليس من الربا الحرام، وإني لا أخالفه في حكمه على ضع وتعجل، إنما أخالفه في تعليله، ويمكن أن يقال إن حكمه لا يعتد ما دام تعليله غير مقبول لكن يمكن أن يقال بالمقابل أيضا إن ابن القيم يدرك بالحدس أن ضع وتعجل جائز، ولا بد من تخليصه من الربا الحرام، وسنرى أنه لا حاجة إلى حجته، فإن الربا ربوان: حلال وحرام، كما سنرى.

وما ذكره ابن القيم لعله مقتبس من ابن عباس الذي قال: " إنما الربا أخر لي وأنا أزيدك، وليس عجل لي وأنا أضع عنك " (كنز العمال ٢ /٢٣٥ وانظر مصنف ابن أبي شيبه ٧ /٢٨) ومخالفتي لابن عباس هي نفس مخالفتي لابن القيم، وربما أمكن حمل كلام ابن عباس على الربا " الحرام ".

والخلاصة أنني أميل إلى جواز الربا للتأجيل، والحطيطة للتعجيل، بدون فرق بينهما في الحكم، ما دام هذا وذاك بين متبايعين، فإذا دخل بينهما ثالث (وسيط، كالمصرف) ، ليسدد الثمن النقدي للبائع، ويحتسب الثمن المؤجل في ذمة المشتري (وهو ما يسميه البعض اليوم: مرابحة للآمر بالشراء) لم يجز، لأن هذا الشخص الثالث (المصرف) قد دفع نقدًا ليسترد نقدًا أكثر منه، وهو ربا نسيئة محرم، هذا إذا كانت المرابحة ملزمة، أما إذا لم تكن ملزمة فلا بأس.

وكذلك لو دخل هذا الشخص الثالث، ليسدد عن المشتري الثمن الحالّ (= القيمة الحالية للثمن المؤجل) ، ويطالب هذا المشتري بالثمن المؤجل في تاريخ الاستحقاق (وهو ما يسمى اليوم: الخصم المصرفي، خصم الأوراق التجارية) لم يجز، لأن هذا الشخص الثالث (المصرف) قد دفع مبلغًا من النقود ليسترد مبلغًا أكبر منه، وهو ربا نسيئة محرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>