للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل على هذا المعنى أيضًا ما أثبتناه في موضع سابق من هذه الورقة، من جواز زيادة الثمن المؤجل على المعجل.

ويدل عليه أيضًا باتفاق جمهور الفقهاء على هذا الجواز، وقد نقلنا عددًا من عباراتهم ومن الخطأ أن يستنبط أحد المعنى المراد بالاعتماد على نص واحد، فإن جمع النصوص المتزاحمة والمتقاربة كتكرار التجارب والاختبارات في العلوم التجريبية، هو الذي يحق اطمئنان المجتهد أو الباحث، ويرفع درجة ثقته في نتائجه العلمية.

٤- يرى البعض أن الزيادة في الثمن المؤجل مطابقة تمامًا للزيادة في القرض المؤجل، فإما أن كلتيهما حرام أو كلتيهما حلال وعلى هذا المعنى حمل بعض المفسرين قوله تعالى على لسان عرب الجاهلية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية ٢٧٥] .

وما رآه هؤلاء ليس صحيحًا تمامًا، وإن كان يدق على كثير من العقول، ذلك بأن الربا في القرض مؤكد، في حين أنه في البيع احتمالي غير مؤكد، نعم قد يبيع البائع سلعة بثمن معجل قدره ١٠٠ ومؤجل لسنة قدره ١١٠، مع أنه قد يكون في كلا الثمنين خسارة له، أي أن كلًّا من الثمنين أقل من الكلفة.

٥- الزيادة في الثمن المؤجل تعتبر كحسم المصارف للسفاتج (= الكمبيالات) والسندات، أي كلاهما ربا نيسئة محرم (القول الفصل لعبد الخالق ص ٣٤، و٣٥، و ٥١) .

هذا غير مسَلَّم، لأن الزيادة الأولى زيادة في بيع، والثانية زيادة في قرض، الأولى تعتبر للنشاط التجاري البيعي المشروع، والثانية تعتبر منفصلة عن النشاط البيعي، وداخلة في النشاط الائتماني الربوي المستقل، ومعلوم في القواعد الفقهية الكلية أن الشيء قد يجوز تبعًا ولا يجوز منفردًا (المبسوط للسرخسي ١١/١٧٩، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ١٣٥، ومجلة الأحكام العدلية المادة ٥٤، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ٢ /١٧٢) .

٦- الأنشطة الربوية المحرمة هي من لوازم بيع الأجل (القول الفصل لعبد الخالق ص ٥١) .

هذا غير صحيح، لأنه من باب المغالاة في سد الذرائع، ولو كان صحيحًا لأمكن القول أيضا بأن صناعة الخمر هي من لوازم زراعة العنب، وكأن لا منفعة من العنب إلا الخمر.

وقد فرق الفقهاء تفريقًا حكيمًا ودقيقًا بين بيع الأجل فأجازوه، وبيع الآجال فحرموه، وتحايل البعض ببيع الأجل وصولًا لبيع الآجال لم يدفع الفقهاء إلى تحريم البيعين، فإنهم لو فعلوا ذلك لحرمت أنشطة تجارية كثيرة مفيدة، ولكان مثلهم مثل من حرّم على نفسه ركوب الطائرة خشية حادث لا يزيد احتمال وقوعه على مرة واحدة من كل ألف مرة!

<<  <  ج: ص:  >  >>