للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن هذا الاستدلال في محل الخلاف نفسه، فأصل هذه المسألة يعود إلى مدى اشتراط القبض، ومدى جواز التصرف قبل القبض، والتفصيل فيه، يقول ابن حبيب: "اختلف العلماء فيمن باع عبدًا واحتبسه بالثمن فهلك في يديه قبل أن يأتي المشتري بالثمن، فقال سعيد بن المسيب وربيعة: هو على البائع، وقال سليمان بن يسار: هو على المشتري، ورجع إليه مالك بعد أن كان أخذ بالأول، وتابعه أحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال بالأول الحنفية والشافعية، والأصل في ذلك اشتراط القبض في صحة البيع، فمن اشترطه في كل شيء جعله من ضمان البائع، ومن لم يشترطه جعله من ضمان المشتري والله أعلم" (١) .

وهكذا لو استعرضنا جميع أدلتهم التي وفقت في الاطلاع عليها لوجدناها إما ضعيفة لا تنهض حجة، أو أنها ليست نصًّا في الدعوى، والقاعدة المعروفة تقول: "والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال".

ومن جانب آخر، أن الأدلة الصحيحة تدل على جواز إجراء بعض العقود على المبيع قبل القبض، منها ما رواه البخاري وغيره بسندهم عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على بكر صعب لعمر ... فقال النبي لعمر: "بعنيه" قال: هو لك يا رسول الله. . قال رسول الله "بعنيه فباعه" ... فقال: "هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت" حيث يدل الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشترى الجمل، وأهداه قبل القبض، لأن ابن عمر الذي كان راكبًا عليه بأمر والده كان ولا يزال على جمله فلم تتم التخلية، ومع ذلك أهداه إليه، يقول الحافظ ابن حجر: " لأن النبي صلى الله عليه وسلم تصرف في البكر بنفس تمام العقد ... واستفيد من الحديث أن المشتري إذا تصرف في المبيع ولم ينكر البائع كان ذلك قاطعًا لخيار البائع كما فهمه البخاري، والله أعلم، وقال ابن بطال: أجمعوا على أن البائع إذا لم ينكر على المشتري ما أحدثه من الهبة والعتق أنه بيع جائز وعلق عليه الحافظ فقال: " وليس الأمر على ما ذكره من الإِطلاق، بل فرقوا بين المبيعات، فاتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه. . واختلفوا فيما عداه ..." (٢) .


(١) فتح الباري: ٤/٣٥٢، النسائي، البيوع: ٧/٢٩٥، الحديث: ٤٦٣٠، والترمذي – مع شرحه تحفة الأحوذي: ٤/٤٣١، الحديث: ١٢٥٢، وابن ماجه: ٢/٧٣٨، الحديث: ٢١٨٨، والحاكم في المستدرك: ٢/١٧، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي، تحفة الأحوذي: ٤/٤٣١، رواه أحمد في مسنده: ٦/٤٩، ٢٠٨، ٢٣٧، والترمذي في سننه – مع تحفة الأحوذي – ٤/٥٠٧، والنسائي: ٧/٢٢٣، وابن ماجه: ٢/٧٥٤، وأبو داود في سننه – مع عون المعبود – ٩/٤١٥، ٤١٧، ٤١٨. قال الترمذي: ٤/٥٠٨، وهذا حديث صحيح ... والعمل على هذا عند أهل العلم، المغني: ٤/١٢٤، ١٢٥.
(٢) فتح الباري: ٤/٣٣٥، ودعوى الاتفاق على منع بيع الطعام قبل قبضه غير دقيقة لما ذكرنا فيه الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>