للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك أحاديث أخرى ثابتة لكنها لا تدل على هذه الدعوى بوضوح منها: ما رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، بسندهم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن)) ، وفي بعض الروايات: ((لا يحل سلف وبيع ... ولا ربح ما لم يضمن)) (١) ، وقد فسروا هذا الحديث بأنه يعني: الربح الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه، وينتقل من ضمان البائع إلى ضمانه، فإن بيعه فاسد (٢) .

ولكن الحديث صريح في النهي عن ربح ما لم يضمنه، تطبيقًا لقاعدة "الخراج بالضمان " (٣) ، وهذا إنما ينطبق على مسألتنا إذا كان القائلون بجواز بيع المبيع غير الطعام – أو غير المكيل والموزون، أو غير المنقول – لا يذهبون إلى أن المشتري ضامن بالعقد، في حين أن هؤلاء يذهبون إلى أن الضمان ينتقل في غير هذه الأشياء إلى المشتري بمجرد العقد، وحينئذٍ لم يكن الدليل في محل الدعوى فيصادر عليه فلا يقبل، يقول الخرقي: "وما عداه – أي ما عدا المكيل والموزون – فلا يحتاج إلى قبض. وإن تلف فهو من مال المشتري" وعلق عليه ابن قدامة فقال: "ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الخراج بالضمان)) وهذا المبيع نماؤه للمشتري فضمانه عليه، وقول ابن عمر: "مضت السنَّة أن ما أدركته الصفقة حيًّا مجموعًا فهو من مال المبتاع" – أي المشتري – ولأنه لا يتعلق به حق توفية، وهو من ضمانه قبل قبضه، فكان من ضمانه قبله كالميراث، وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه دليل على مخالفة غيره له (٤) .


(١) النسائي، البيوع: ٧/٢٩٥، الحديث: ٤٦٣٠، والترمذي – مع شرحه تحفة الأحوذي: ٤/٤٣١، الحديث: ١٢٥٢، وابن ماجه: ٢/٧٣٨، الحديث: ٢١٨٨، والحاكم في المستدرك: ٢/١٧، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي.
(٢) تحفة الأحوذي: ٤/٤٣١.
(٣) رواه أحمد في مسنده: ٦/٤٩، ٢٠٨، ٢٣٧، والترمذي في سننه – مع تحفة الأحوذي – ٤/٥٠٧، والنسائي: ٧/٢٢٣، وابن ماجه: ٢/٧٥٤، وأبو داود في سننه – مع عون المعبود – ٩/٤١٥، ٤١٧، ٤١٨. قال الترمذي: ٤/٥٠٨، وهذا حديث صحيح ... والعمل على هذا عند أهل العلم.
(٤) المغني: ٤/١٢٤، ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>