للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن المنير: "مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن البخاري أراد أن يحقق انتقال الضمان في الدابة ونحوها إلى المشتري بنفس العقد، فاستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((قد أخذتها بالثمن)) وقد علم أنه لم يقبضها بل أبقاها عند أبي بكر، ومن المعلوم أنه ما كان ليبقيها في ضمان أبي بكر، لما يقتضيه مكارم أخلاقه حتى يكون الملك له، والضمان من غير قبض ثمن، ولا سيما في القصة ما يدل على إيثاره لمنفعة أبي بكر حيث أبى أن يأخذها إلا بالثمن (١) .

وأيضًا يدل على ذلك ما رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم عن ابن عمر، حيث يدل على أن ما يدرك العقد حيًّا مجموعًا – أي لم يتغير عن حالته – فهو من ضمان المشتري، وهذا رأي ابن عمر، قال الطحاوي: "ذهب ابن عمر إلى أن الصفقة إذا أدركت شيئًا حيًّا فهلك بعد ذلك عند البائع فهو من ضمان المشتري فدل على أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال ..." (٢) .

ومن الجدير بالإِشارة إلى أن أكثر القائلين بجعل التفرقة في البيع قبل القبض بين ما يكال، أو يوزن، وبين غيره أول كلامهم وحمل على الطعام وغيره، يقول ابن قدامة: "ويحتمل أنه أراد المكيل والموزون، والمعدود من الطعام الذي ورد النص بمنع بيعه ثم علق على هذا الحمل فقال: "وهذا أظهر دليلًا، وأحسن" (٣) .

وقد استدل المخالف بأدلة لا يخلو جميعها إما من ضعف في سندها، أو أنها ليست نصًّا في دلالتها على منع المبيع غير الطعام، فمثلًا استدل القائلون بالمنع مطلقًا بالحديث الذي رواه أحمد والبيهقي عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا ابن أخي إذا ابتعت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه)) (٤) ، فهذا الحديث لا ينهض حجة، لأن جميع طرقه لا تخلو من مقال وضعف (٥) ولا سيما أن الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عباس قد رواه بطريق الحصر حيث يقول: "أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض" (٦) ، فلو كان ابن عباس – وهو من هو – لو وصله خبر ثابت لما حصره هذا الحصر.


(١) فتح الباري: ٤/٣٥١، ٣٥٢.
(٢) صحيح البخاري – مع الفتح – البيوع: ٤/٣٥٢، وذكر الحافظ أن هذا التعليق وصله الطحاوي والدارقطني.
(٣) انظر: مسند أحمد: ٣/٤٠٢، والسنن الكبرى: ٥/٣١٣.
(٤) انظر: مسند أحمد: ٣/٤٠٢، والسنن الكبرى: ٥/٣١٣.
(٥) ونصب الراية: ٣/٣٢، والمحلى: ٩/٥٩٣، ٥٩٤، وراجع: جوهر النقى على السنن الكبرى حيث حكم بضعفه ٥/٣١٣، وقال: "كيف يكون حسنًا، وابن عصمة متروك ... وفي الأحكام لعبد الحق: ضعيف".
(٦) صحيح البخاري – مع الفتح – ٤/٣٤٩، ومسند الشافعي: ١٢٥٢، والطحاوي: ٢/٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>