للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدلة والترجيح (بإيجاز) :

من المعهود في البحث العلمي أن نذكر أدلة كل فريق ثم المناقشة ثم الترجيح، غير أن ذلك في هذه المسألة الفرعية يتطلب كتابة عشرات الصفحات وهذه لا تتفق مع طبيعة البحث، وحينئذٍ كنت بين أمرين، إما ترك الترجيح، أو استعراض الأدلة في بحث يكون أشبه بكتاب، فآثرت أن أذكر الراجح – في نظري – مع أدلته، والرد على أدلة المخالف بإيجاز.

والذي يظهر لي رجحانه هو أن منع التصرف في المبيع ونحوه قبل القبض محصور في الطعام، وأن العلة هي الطعام لا غير، وعلى هذا تدل الأحاديث الصحيحة، منها الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه)) ، وفي رواية لهما: ((... حتى يقبضه)) ، ورويا بسندهما أيضًا عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه)) . قال ابن عباس: " وأحسب كل شيء مثله"، ورويا عن ابن عمر، أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعامًا جزافًا، أن يبيعوه في مكانه، حتى يحولوه (١) ولا شك أن تخصيص الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه دليل على مخالفة غيره له.

والواقع أن قول ابن عباس: "وأحسب كل شيء مثله" اجتهاد محض منه لا يكون حجة على اجتهاد غيره، ولذلك أورده البخاري مع أنه ترجيح للباب "باب بيع الطعام قبل أن يقبض ..." (٢) بل إن بعض روايات الحديث جاءت بالحصر (٣) .

وهذا الحصر على الطعام هو الذي يؤدي إلى الجمع بين الأدلة الواردة بهذا الشأن بحيث تحمل عليه الأحاديث الخاصة بالنهي عن البيع قبل القبض، وتحمل الأحاديث الواردة الدالة على جواز التصرف في المبيع ونحوه قبل القبض على غير الطعام، وهذا هو الذي سار عليه الإِمام البخاري حيث أورد: باب إذا اشترى متاعًا، أو دابة فوضعه عند البائع، أو مات قبل أن يقبض. وقال ابن عمر (رضي الله عنهما) : "ما أدركت الصفقة حيًّا مجموعًا فهو من المبتاع". ثم أورد حديث عائشة في قصة الهجرة، وفيها: "قال أبو بكر: يا رسول الله، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما. قال: "قد أخذتها بالثمن" (٤) .


(١) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض ٤/٣٤٩، ٣٥٠، ومسلم، البيوع: ٣/١١٥٩، الحديث: ١٥٢٥، ١٥٢٦، ١٥٢٧، ١٥٢٨، ١٥٢٩، وأحمد (١/٥٦، ٢٧٠، ٢/٢٢، ٦٤، ٣/٣٩٢) .
(٢) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض ٤/٣٤٩، ٣٥٠، ومسلم، البيوع: ٣/١١٥٩، الحديث: ١٥٢٥، ١٥٢٦، ١٥٢٧، ١٥٢٨، ١٥٢٩، وأحمد (١/٥٦، ٢٧٠، ٢/٢٢، ٦٤، ٣/٣٩٢) .
(٣) صحيح البخاري – مع الفتح – البيوع: ٤/٣٤٩، حيث روي عن ابن عباس يقول: (أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض) ، فهذا الحصر دليل على ما قلناه.
(٤) صحيح البخاري – مع الفتح – البيوع: ٤/٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>