للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الإِمام أبو محمد المنبجي الحنفي أن المعنى الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل القبض لأجله هو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه قبل القبض، والهلاك في العقار نادر (١) .

وقد اعترف شيخ الإِسلام ابن تيمية بغموض هذه المسألة وعلتها ولذلك كثر فيها تنازع الفقهاء، ومال أكثرهم إلى التمسك بظاهر النصوص دون الركون إلى العلة (٢) .

والذي يقتضيه مجموع الأدلة هو الوقوف عند ما ورد فيه النص الصحيح الخالي عن المعارضة وهو منع بيع الطعام قبل قبضه وجوازه في غيره لما ذكرنا.

وقد أجاب القرافي عن أدلة المانعين عن بيعه قبل القبض مطلقًا، حيث حمل أحاديثهم على بيع ما ليس ملكًا لبائعه، لأنه غرر، أما المعقود عليه فقد حصل فيه ملك بالعقد، وبالتالي فما دام متمكنًا من القبض فما المانع من التصرف فيه؟ ثم بيّن الفرق بين الطعام وغيره فقال: "إن الطعام أشرف من غيره لكونه سبب قيام البنية وعماد الحياة فشدد الشرع على عاداته في تكثير الشروط فيما عظم شرفه كاشتراط الولي والصداق في عقد النكاح دون عقد البيع، وشرط في القضاء ما لم يشترطه في منصب الشهادة، ثم يتأكد ما ذكرناه بمفهوم نهيه (عليه السلام) عن بيع الطعام حتى يستوفى، ومفهومه أن غير الطعام يجوز بيعه قبل أن يستوفى، وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٣) .


(١) اللباب في الجمع بين السنَّة والكتاب، تحقيق د. محمد فضل، ط. دار الشروق: ٢/٥٢٨.
(٢) مجموع الفتاوى: ٢٩/٤٠٣، ٤٠٤.
(٣) الفروق للقرافي: ٣/٢٨١، ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>