للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا تبرز مشكلة ما سُمِيَ قديمًا (خيار المجلس) لكن هذا الاعتراض يزول ولا يبقى له أي اعتبار بالقاعدة التي لا سبيل إلى الجدال فيها وهي وجوب الوفاء بالوعد، فسواء كان البائع أو المشتري هو الذي قد يحاول التملص من الإيجاب أو من القبول أو من شرط اقترن به الإيجاب أو القبول بعد أن ألزم به نفسه نتيجة لأنباء بلغته أثناء تبادل الرسائل اللاسلكية بالجهاز الناقل (تلكس) أو بـ (الحسيب - COMPUTER) عن تغير السوق وذلك ما يكثر حدوثه عادة في الأسواق (البورصات - LES BOURSES) المالية منها وغير المالية من تقلبات قد تسابق الدقائق فإن عليه أن ينضبط بالضابط الخلقي الذي جعله الشرع الحكيم محكَّمًا في التعامل بأنه إذا تحلل من هذا الضابط الخلقي الذي جعله الشرع الحكيم محكَّمًا في التعامل بأنه إذا تحلل من هذا الضابط ترتب عن تحلله إضرار بالطرف الآخر في حين أنه لا يضار بالانضباط به وإن كان تقلب السوق قد يتسبب له ببعض الخسارة نتيجة للارتفاع أو الانخفاض في المادة المتعاقد عليها وهي خسارة ما من شك في أنها تضر بمصالحة، لكن هذا الإضرار باعتباره مفسدة يرجح عنه ضرر آخر أشد إفسادًا وهو الإخلال بالضابط الخلقي الذي يختل التعامل بين الناس بإبقائه فريسة لتقلبات الأسواق، وإذا تعارضت المفسدة والمصلحة تعينت الموازنة بينهما وإلغاء المرجوحة منهما وتحكيم الراجحة.

(د) إن (الآلة المصورة - TELEFAX) للوثائق في ما تنقّلها بين طرفي التعاقد أو أطرافه لا يختلف الشأن فيها عن ما سبق أن قررناه في (الآلة الناقلة للرسائل كتابة - TELEX) وإن كانت عملية التصوير أكد في الإلزام للطرفين أو الأطراف لما تتميز به من نقل خط كل طرف في الوثيقة الخطية أو توقيعه في الوثيقة المطبوعة الموقعة كما هو بحيث ينتفي – فضلًا عن ادعاء – الخطأ أو الالتباس.

٨- ولا سبيل إلى محاولة التملص في التعاقد بإحدى وسائل الاتصال الحديثة بدعوى أن أحد الطرفين أو الأطرف فيه لم يكن جادًّا وإنما كان يقوم بعملية سبر، وما عرضه، أو قبل به أثناء الاتصال لا يخرج عن إطار هذه العملية وأن ما يجب اعتباره وتحكيمه هو الإرادة الباطنة لطرفي التعاقد أو أطرافه، فمع أن بعض الفقهاء قال مثل بعض رجال التشريع الوضعي (القانونيين) باعتبار الإرادة الباطنة، فإن هذا القول مردود على قائلة بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الخليفة الراشد من بعده عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وعن الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا من عدم اعتراضهم على موقف عمر مما يعتبر إجماعًا سكوتيًّا على الأقل من اعتبار الظاهر من أحوال الناس وأقوالهم هو المعتمد وأن السرائر أمرها إلى الله، ولا نريد أن نسوق مجموعة حاشدة من النصوص المثبتة لذلك حسبنا ما أوجزه ابن فرج القرطبي في كتابه (أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم) – ص٢٥٧، ٢٥٨ – من الحديث المشهور – إن لم يكن متواترًا – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((إنما أنا بشر مثلكم وأنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له وأحسب أنه صادق فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئًا فإنما اقطع له قطعة من النار)) .

والحديث أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم بألفاظ يزيد بعضها عن بعض لكن لا اختلاف جوهريًّا بينها.

وما أخرجه كلَّ من أحمد والبخاري من خطاب عمر الحاسم في هذا المجال وفي مجالات أخرى وقد أخرجه أحمد مطولا.

<<  <  ج: ص:  >  >>