للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنظر [المسند، تحقيق أحمد شاكر: المجلد، ١/٢٧٨، ٢٧٩، ح٢٨٦] :

وأخرجه منه البخاري الطرف الذي يعنينا في هذا المجال فقال [الصحيح: ٣/١٤٨] .

حدثنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن عتبة قال: سمعت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول: إن أناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الوحي قد انقطع وإنا نأخذكم الآن لما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة. ومن هذين النصين وما شاكلهما وهو كثير يتجلى أن الشرع الإسلامي لا يلتفت إلى السرائر في ما هو من الشئون العامة وإنما يأخذ بالظواهر وحديث (إنما الأعمال بالنيات) الذي حاول أن يستند إليه بعض الفقهاء ليس سندًا عند التحقيق لهؤلاء ولمن اشتبه عليه أمره مثلهم، إنما هو خاص بما يتصل بين العبد وبين ربه وآية ذلك استحالة اطلاع الناس على نوايا بعضهم بعضًا، فلو اعتمدنا مبدأ (النية) في تقرير مسار ومصير معاملاتهم لأصبح لكل واحد منهم أن يتحكم في تعامله مع الآخر كيف يشاء مسلطًا بلواته أو تقلبات الأسواق وما شاكلها على مسار التعامل ومصيره فمتحكما في مصائر الآخرين ومصالحهم بما تقتضيه مصالحه وإن أضرّ بهم ولا يمكن أن يقوم تعامل عادل بين الناس على أساس تحكيم النوايا بينهم.

نقول هذا لرفع كل التباس في حال التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة ومنع إخضاع التعاقد بها لتقلبات الأسواق وخاصة الأسواق العالمية (البورصات - LES BOURSES) التي أصبح (الحسيب - COMPUTER) يتحكم فيها وأوشك أن ينعدم الاستقرار في المعاملات من أجل ذلك انعدامًا تامًّا في بعض الحالات بما يتوارد عليها بوسائل الاتصال الحديث ثم – وهذا أخطر لأنه أسرع – بالتعامل بالحسيب من أنباء وأحوال عن التقلبات الاقتصادية والتجارية والسياسية والاجتماعية تؤثر تلقائيًّا في ما يجري فيها من معاملات.

والضابط في هذه الأحوال هو أن الإيجاب حين يصدر من الطرف الموجب والقبول حيث يصدر من الطرف القابل يكون ملزمًا شرعًا لمصدره بصرف النظر عن أي تغير أو تطور يحدث قبل أن يتطابق جواب المصدرين بالقبول أو بالاتصال بالقبول، ومعنى ذلك أننا نأخذ برأي من يقولون في التشريع الوضعي (القانونيين) بأن صدور الإيجاب أو القبول وليس بلوغه هو الحاسم في التعاقد.

وقد يكون اختلافهم – سواء كانوا فقهاء أو قانونيين – في هذا الشأن له ما يسوغه يوم كانت المسافة الزمانية والمسافة المكانية تتحكمان بطولهما في تكييف المصلحة والمفسدة الناتجين عنهما. أما اليوم ولم يعد لهما تحكم فإنا لا نرى مسوغًا لاعتبار هذا الاختلاف. صدق الله العظيم إذ يقول: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [سورة النحل: الآية ٩١] .

*

**

<<  <  ج: ص:  >  >>