فإن كان قد أنس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه إذ ضرورات الحاجات في الحياة الدنيا تصدر عن ذكر الله عز وجل. ولا يبقى بعد الموت عائق فكأنه خلى بينه وبين محبوبه فعظمت غبطته، وتخلص من السجن الذي كان ممنوعا فيه عما به أنسه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (إن روح القدس نفث في روعي: أحبب ما أحببت فأنت مفارقه) أراد به كل ما يتعلق بالدنيا فإن ذلك يفنى في حقه بالموت: فـ (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وإنما تفنى الدنيا بالموت في حقه إلا أن تفنى في نفسها عند بلوغ الكتاب أجله، وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله عز وجل ويترقى من الذكر إلى اللقاء وذلك بعد أن يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، ولا ينكر بقاء ذكر الله عز وجل معه بعد الموت فيقول إنه أعدم فكيف يبقى معه ذكر الله عز وجل فانه لم يعدم عدما يمنع الذكر بل عدما من الدنيا، وعالم الملك والشهادة لا من عالم الملكوت، وإلى ما ذكرناه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: (القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر) وبقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين: (يا فلان يا فلان فقال عمر: يا رسول الله كيف يسمعون وأني يجيبون وقد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا) والحديث في الصحيح. قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحيانا عند ربهم يرزقون ١٦٩ فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خلفهم ألا خوف عليه ولا هم يحزنون) ١٧٠ من سورة آل عمران. ولأجل ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة، ونعى بالخاتمة وداع الدنيا، ولم يساعده حاله فأمره في مشيئة الله عز وجل، ولا يؤمن في حقه الخطر، ولذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله على سائر الأذكار، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الصدق والإخلاص: (من قال لا إله إلا الله مخلصا) ومعنى الإخلاص مساعدة الحال للمقال. أهـ بتصرف ص ٢٧٣ جـ ١. (صفات الله جل وعلا من معنى لا إله إلا الله) جعل الشرع الشريف شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ركنا من أركان الإسلام. إذ معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق سوى الله، ومعنى الألوهية: استغناء الإله من كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه. أ - استغناء الإله عن كل ما سواه يوجب له تعالى الوجود، والقدم والبقاء. ومخالفته تعالى للحوادث، وقيامه تعالى بنفسه، وتنزهه سبحانه وتعالى عن النقائص، ويدخل في ذلك وجوب السمع له والبصر، والكلام ويؤخذ منه تنزهه تعالى عن الأغراض وأحكامه، ولا يجب عليه فعل شيء من الممكنات أو تركه. ب - وافتقار كل ما عداه إليه سبحانه وتعالى يوجب له عز وجل الحياة، وعموم القدرة والإرادة والعلم، ويوجب له تعالى الوحدانية في ذاته، وفي صفاته وفي أفعاله، ويؤخذ منه حدوث العالم بأسره، وأن لا تأثير لشيء من الكائنات في أثر ما. (محمد رسول الله) يدخل فيه الإيمان بسائر الأنبياء والملائكة، والكتب السماوية، واليوم الآخر، =