للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرُّ (١) حسن الخلق، والإثم (٢) ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع (٣) عليه الناس. رواه مسلم: (حاك) بالحاء المهملة والكاف: أي جال وتردد.

٣ - وعن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أريد أن لا أدع شيئاً من البرِّ والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: ادن يا وابصة: فدنوت (٤) منه حتى مسَّتْ ركبتي ركبته، فقال لي: يا وابصة: أخبرك عمَّا جئت تسأل عنه. قلت: يا رسول الله أخبرني. قال: جئت تسأل عن البرِّ والإثم؟ قلتُ: نعم، فجمعَ أصابعه الثلاث، فجعل ينكت (٥)

بها في صدري، ويقول: ياوابصة،


(١) الإحسان.
(٢) الذنب.
(٣) يظهر.
(٤) قربت منه.
(٥) يضرب. وفيه (بينا هو ينكت إذا انتبه) أي يفكر ويحدث نفسه. قال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوي حتى يدع ما حاك في الصدر. قال في الفتح المراد بالتقوى: وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة. حاك: تردد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما به البأس) وعن أبي الدرداء: تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما.
وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، ومراده أن اليقين أصل الإيمان. فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحة حتى قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقا إلى الجنة وهربا من النار. وقال صلى الله عليه وسلم في رواية أبي أمامة (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) وقد فسر الله جل وعلا البر بقوله عز وجل (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القرى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) ١٧٧ من سورة البقرة. ومن طريق مجاهد أن أباذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فلتا هذه الآية (ليس البر الخ) والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئة، فإذا فعلوا المأمورات وتركوا المحرمات فهم المؤمنون الكاملون، والأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخله في مسمى البر، كما هي داخلة في مسمى الإيمان أهـ ص ٣٧ جـ ١.
ويعجبني تفسير الفتح: لقوله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان) فقال شعبة: قطعة، والمراد الخصلة أو الجزء، والحياء في اللغة انكسار وتغير يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه. وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر (الحياء خير كله) وإن الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر). ثم قال ابن حجر: ولقد لخصت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خير وشره. والإيمان باليوم الآخر.
ويدخل فيه سؤال القبر، والبعث، والنشور، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه. ويدخل فيه الصلاة عليه، =

<<  <  ج: ص:  >  >>