وفي الآيات الواردة الحاثة على الطهارة من الحدث والنقاء من الأوساخ، قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) أي يرضى عن الذين رجعوا إلى ربهم، فخلصوا من الذنوب، وبعدوا عن الفحشاء، وتنزهوا عن الفواحش والأقذار، ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم: (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر) ينادي صلى الله عليه وسلم لابس الدثار كما قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (كنت بحراء فنوديت، فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا، فنظرت فوق، فإذا هو على عرش بينّ السماء والأرض، يعنى الملك الذى ناداه فرعبت، فرجعت إلى خديجة، فقلت دثروني، فنزل جبريل وقال: (يا أيها المدثر قم) من مضجعك قيام عزم وجد، وعد بالخير المطيعين، وأوعد العاصين بالعذاب، وخص ربك بالتكبير، وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا. روى أنه لما نزل كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيقن أنه الوحى، وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك (وثيابك فطهر) من النجاسات فان التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها، وذلك بغسلها، أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها، وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة - أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة، والأفعال الدنيئة، فيكون أمراً باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه - أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر - أهـ بيضاوى ص ٧٩٨. فحافظوا على الطهارة أيها المسلمون، فقد مدح الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على تطهير ثيابهم وأجسامهم، والعناية بالنقاء من البول، والغسل من الجنابة - قال تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) ١٠٩ من سورة التوبة - يعنى مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة، أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أبى سعيد رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: هو مسجدكم هذا مسجد المدينة فطهر رجاله من المعاصى والخصال المذمومة طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها، والله يرضى عنهم، ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه - قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء، فإذا الأنصار جلوس - فقال عليه الصلاة والسلام: أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا، فأعادها، فقال (عمر): إنهم مؤمنون وأنا معهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ترضون بالقضاء؟ قالوا: نعم قال عليه الصلاة والسلام: أتصبرون على البلاء؟ قالوا: نعم، قال: أتشكرون في الرخاء؟ قالوا: نعم فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مؤمنون ورب الكعبة، فجلس فقال: يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم، فما الذى تصنعون عند الوضوء وعند الغائط؟ فقالوا يا رسول الله: نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء، فتلا: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا): ولا تنس أيها المسلم فضل الوضوء، ونظافة الأعضاء، وغسل الجسم، وحكمة ذلك في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم (١) إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا (٢) وإن كنت مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج (٣) ولكن يريد ليطهركم (٤) وليتم نعمته (٥) عليكم لعلكم تشكرون) من سورة المائدة.