للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية للبخاري: "أن رجلاً كان يأكلُ أكلاً كثيراً فأسلمَ، فكان يأكلُ أكلاً قليلاً، فَذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن المؤمن يأكل في معي واحدٍ، وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء".

وفي رواية لمسلم قال: "أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَيْفاً كافراً، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ فَحُلِبَتْ، فشرب حِلاَبَهَا، ثم أخرى فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبعِ شياةٍ، ثم إنه أصبح فأسلمَ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم


= أيهما قال عبيد الله يأكل في سبعة أمعاء" وفي الفتح هذا الشك من عبدة، وقد أخرجه مسلم بغير شك، وورد عند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر، واختلف في معنى الحديث؛ فقيل ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها، واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الأمعااء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الطعام بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر، وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود، نقله ابن التين، ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران، فقال: حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلاً: أي يرغب فيها، ويحرص عليها، فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد: أي يزهد فيها فلا يتناول منها إلا قليلاً، والكفار في سبعة أمعاء: أي يرغب فيها فيستكثر منها، وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، لقوله تعالى: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" (١٢ من سورة القتال) انتهى فتح ص ١٢٤ جـ ٩.
وفي العيني: حكى القاضي عياض عن أهل الطب والتشريح أنهم زعموا أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها: البواب، والصائم، والرقيق، وهي كلها رقاق، ثم ثلاثة غلاظ الأعور، والقولون والمستقيم، وطرفة الدبر، فالمؤمن يكفيه ملء أحدها، والكافر لا يكفيه إلا ملء كلها. أ. هـ. ص ١٤٢ جـ ٢.
وقال النووي: الصفات السبعة في الكافر، وهي الحرص، والشره، وطول الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن، وقال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع، وفي الفتح في كلام القاضي أبي بكر بن العربي: أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس، والشهوة، والحاجة. قال العلماء: يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا، والحث على الزهد فيها، والقناعة بما تيسر منها، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل، ويذمون كثرة الأكل. قال حاتم الطائي:
فإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وقال ابن التين: إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب، وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس، وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق. أ. هـ ص ٤٢٣ جـ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>