للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تؤمرنّ على اثنين ولا تلينّ مال يتيم

١٤ - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذرٍ: إنك ضعيفٌ (١)،

وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ إلا من أخذها بحقها (٢)، وأدى الذي عليه فيها" رواه مسلم.

١٥ - وعنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحبُ لنفس لا تُؤمَّرَنَّ (٣) على اثنين، ولا تَلِيَنَّ (٤) مال يتيمٍ" رواه مسلم وأبو داود والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما.

١٦ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة (٥)، وستكون ندامةً (٦) يوم القيامة، فنعمت المُرْضِعَةُ (٧)،

وبئستِ الفاطمةُ" رواه البخاري والنسائي.


(١) ليست عندك قدرة وقوة على تسييرها كما يراه.
(٢) قام فيها بالعدل.
(٣) لا ترأس.
(٤) ولا تكون وصياً تسند إليه إدارة مال اليتيم.
(٥) الأمانة العظمى، أو الولاية بطريق النيابة كولاية الشرطة والقضاء.
(٦) حسرة وتعنيف لمن لم يعمل فيها بما يرضى الله تعالى.
(٧) أي أمدح تلك الرياسة التي تدر على صاحبها المنافع العظيمة، واللذات العاجلة والأبهة، وأذمها عند النساء سلطة الولاية وعند انفصال صاحبها عنها بموت أو غيره قال الشيخ شرقاوي فإنها تقطع عليه تلك اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة، وفي الكلام استعارة تبعية حيث شبه الانتفاع والالتذاذ بالولاية بالارتضاع من المرأة وانقطاع ذلك عنه وانفصاله عنها بموت أو غيره بالفطام واشتق من ذلك مرضعة وفاطمة بمعنى نافعة وفاطمة للنفع، وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء أبلغ وأشد مما يناله من النعماء والسراء، فعلى العاقل أن لا يتلذذ بلذة تتبعها حسرات، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي وقال حديث غريب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولي القضاء أو جُعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين" ولاشك أن الذبح إذا كان بغير سكين كان فيه زيادة تعذيب للمذبوح، بخلاف الذبح بالسكين ففيه راحة له بتعجيل إزهاق الروح، وقيل المراد بذلك هلاك دينه دون بدنه لأن الذبح في العرف لا يكون إلا بالسكين ففي عدوله صلى الله عليه وسلم عنه إلى غيره إشارة إلى ذلك، وقيل المراد بذلك أنه ينبغي له أن يميت جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرديئة فهو مذبوح بغير سكين بل بمجاهدات نفسانية، وعلى هذا فالقضاء مرغوب فيه، وعلى ما قبله فالمراد التحذير عنه بل وعلى هذا أيضاً، لأنه إذا لم يكن بتلك المثابة، فلا ينبغي له أن يتولى القضاء، ولذا قال بعضهم: خطر القضاء كثير وضرره عظيم لأنه قلما يعدل القاضي بين خصمين لأن النفس مائلة إلى ما تحبه، ومن له منصب يتوقع جاهه أو يخاف سلطانه ربما يميل إلى قبول الرشوة وهو الداء العضال، وما أحسن قول أبي الفضل في هذا:
ولما أن توليت القضايا ... وفاض الجور من كفيك فيضا
ذبحت بغير سكين وإنا ... لنرجو الذبح بالسكين أيضا
أ. هـ ص ٣٦٤ جـ ٣، =

<<  <  ج: ص:  >  >>