للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ مررنا ببعيرٍ يُسْنَى عليه، فلما رآه البعير جَرْجَرَ (١)، ووضع جِرَانَهُ فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء فقال: بِعْنِيهِ قال: لا، بل أهَبُهُ لك، وإنه لأهل بيتٍ ما لهم معيشةٌ غيرهُ، فقال: أما إذْ ذكرتَ هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل، وقلة العلف (٢)، فأحسنوا إليه" الحديث.

٢٤ - وروى ابن ماجة عن تميمٍ الداري رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل بعيرٌ يعدو حتى وقف على هامة (٣) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: أيها البعيرُ اُسْكُنْ، فإن تَكُ صادقاً فلك صدقك، وإن تكُ كاذباً، فعليك كذبك مع أن الله تعالى قد أمَّنَ عائذنا (٤)، وليس بخائبٍ لائذُنَا، فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ فقال هذا بعيرٌ قد هَمَّ أهلهُ بنحرهِ وأكلِ لحمهِ فهرب منهم واستغاث بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابهُ يتعادون، فلما نظر إليهم البعير عادَ إلى هامةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منذ ثلاثةِ أيامٍ فلم نَلْقَهُ إلا بين يديك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه يشكو إليَّ، فبئست الشكاية، فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟ قال: يقول إنه رُبِّيَ (٥) في أمنكم أحْوَالاً، وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضعِ الكلأ، فإذا كان الشتاء رَحَلْتُمْ إلى موضع الدِّفاء، فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله منه إبلاً سائمةً، فلما أدركتهُ هذه السَّنَةُ الخصبةُ (٦) هممتم بنحره، وأكل لحمه، فقالوا: قد والله كان ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا جزاء المملوكُ الصالح (٧)

من مواليه، فقالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعهُ ولا ننحرهُ


(١) ردد صوته في حنجرته، وجرجرت النار: صوتت، ومنه: "يجرجر في بطنه نار جهنم".
(٢) الغذاء: فحث صلى الله عليه وسلم على الرأفة به، والرفق وتقديم الطعام التام له.
(٣) المعنى أنه قرب منه وكان بجوار هامة رأسه صلى الله عليه وسلم.
(٤) أعطى الأمان لمن استغاث بنا، وأزال روعه وأبعد خوفه.
(٥) تربى وترعرع.
(٦) الخصبة. كذا (د وع) ٩٨ - ٢، وفي (ن ط) الخصيبة: أي التي كثر خيرها، وزاد نعيمها ورخاؤها.
(٧) الخادم الأمين من مخدوميه.

<<  <  ج: ص:  >  >>