للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزاء الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه

وفي رواية لمسلم قال: "قيل لأسامة بن زيد: لو أتيت عثمان فكلمته؟ فقال: إنكم لَتُرَوْنَ أني لا أكلمه إلا أُسمعكم، وإني أُكلمهُ في السر دون أن أفتحَ باباً لا أكون أول من فتحه، ولا أقول لرجلٍ إن كان عليَّ أميراً: إنه خيرُ الناس بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما هو؟ قال: سمعته يقول: يُجاء بالرجلِ يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقْتابهُ، فيدور كما يدور الحمار بِرَحَاهُ، فيجتمع أهلُ النار عليه فيقولون يا فلان: ما شأنك، أليس كنتَ تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنتُ آمركم بالمعروفِ ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرِّ وآتيه".

[الأقتاب]: الأمعاء، واحدها قِتْب بكسر القاف وسكون التاء.

[تندلق]: أي تخرج.

٢ - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلةَ أُسْرِيَ بيَ رجالاً تُقْرَضُ (١)

شفاههم بمقاريضَ من النار، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: الخطباء من أمتك الذين يأمرون بالناس بالبر، وينسون أنفسهم


(١) تقطع شفاههم جمع شفة. يحذر صلى الله عليه وسلم الوعاظ والمرشدين أن لا يعملوا بقولهم الذي يلقونه على الناس، فإن الله تعالى يسأل الخطباء عن كل صغيرة وكبيرة، ويحاسبهم الحساب العسير على عدم العمل بها كما قال تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أحبار المدينة كانوا يأمرون سراً من نصحوه باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه، فحكى الله عنهم: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون" (٤٤ - ٤٦ من سورة البقرة).
قال البيضاوي: تقرير مع توبيخ وتعجيب. والبر: التوسع في الخير:
(أ) في عبادة الله تعالى.
(ب) في مراعاة الأقارب.
(جـ) في معاملة الأجانب (أفلا تعقلون) قبح صنيعكم فيصدكم عنه، أو أفلا عقل لكم يمنعكم عما تعملون وأنتم تتلون التوراة. أهـ. أي للأحبار وأنتم تعلمون الكتاب والسنة الآن، وتتركون البر، ويخالف القول العمل، ثم استعينوا على حوائجكم بانتظار النجح والفرج توكلاً على الله، أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس، والتوسل إلى الله تعالى بالصلاة، والالتجاء إليها فإنها جامعة لأنواع العبادات: من ذكر وخضوع وغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>