للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من طريق أبي مرحوم، واسمه عبد الرحيم بن ميمون، عن سهل بن معاذ عنه، ويأتي الكلام على سهل وأبي مرحوم إن شاء الله تعالى.

١٦ - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضبُ، وإلا فليضطجع" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية أبي حرب بن الأسود عن أبي ذر، وقد قيل: إن أبا حرب إنما يروي عن عمه عن أبي ذر، ولا يحفظ له سماع من أبي ذر، وقد رواه أبو داود أيضاً عن داود، وهو ابن هند عن بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر بهذا الحديث، ثم قال أبو داود: وهو أصح الحديثين، يعني أن هذا المرسل أصح من الأول، والله أعلم.

١٧ - وعن سليمان بن صُرَدٍ رضي الله عنه قال: "اسْتَبَّ (١) رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحَدُهُما يغضبُ، ويَحْمَرُّ وجههُ، وتنتفخُ أوداجهُ، فنظرَ إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأعلمُ كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، فقام إلى الرجل رجلٌ ممن سمعَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً (٢)؟

قال: لا. قال: إني لأعْلَمُ كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال له الرجل: أمَجْنُوناً تُرَاني؟ " رواه البخاري ومسلم.

١٨ - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم


(١) تشاتم.
(٢) سابقاً، قال النووي: فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأنه سبب لزوال الغضب، وأما قول الرجل (أمجنوناً تُراني) فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المحمدية المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله، ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له أوصني، قال: لا تغضب فردد مراراً، قال: لا تغضب فلم يزده في الوصية على: لا تغضب مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه، ويحتمل أن هذا القائل كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب؛ والله أعلم ص ١٦٣ جـ ١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>