للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خُيِّلَ (١) إليَّ أن أنفهُ يتمرغُ (٢) من شدة غضبهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجدُ (٣) من الغضب، فقال: ما هي يا رسول الله؟ قال تقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم. قال: فجعل مُعاذٌ يأمرُهُ، فأبى وضحكَ، وجعل يزدادُ غضباً" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، كلهم من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه، وقال الترمذي: هذا حديث مرسل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل.

مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب، وقتل عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين، والذي قاله الترمذي واضح، فإن البخاري ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن بن أبي ليلى سنة سبع عشرة، وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وقيل: سنة سبع عشرة، وقد روى النسائي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أُبَّي بن كعب، وهذا متصل، والله أعلم.

١٩ - وعن أبي وائلٍ القاصِ قال: "دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجلٌ فأغضبهُ، فقام فتوضأ فقال: حَدَّثَنِي أبي عن جدي عطية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان (٤)، وإن الشيطان خُلق


(١) مثل له في خياله.
(٢) أي ينقطع ويتشقق غضباً. قال أبو عبيد: أحسبه يترمع: أي يرعد يعني بالراء. أهـ نهاية.
(٣) يحصل له.
(٤) باعثه وموقد نار العداوة بين المتحابين ذلك الخناس الوسواس، وقد قال تعالى عنه كما أمر الله تعالى الشيطان أن يسجد لآدم: "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (١٢ من سورة الأعراف). لأن الشيطان سن التكبر والتجبر والغواية وقال بالحسن والقبح العقليين.
آيات فضيلة كظم الغيظ:
(أ) يروى أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل، فغضب عمر حتى عرف ذلك في وجهه. فقال له رجل يا أمير المؤمنين: ألا تسمع أن الله تعالى يقول: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (١٩٩ من سورة الأعراف). فهذا من الجاهلين، فقال عمر: صدقت فكأنما كانت ناراً فأطفئت، ويعجبني قوله رضي الله عنه: من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون. =

<<  <  ج: ص:  >  >>