للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهي عن حمل السلاح على المسلم

١١ - وفي رواية: "إذا المسلمان حَمَلَ أحدهما على أخيهِ السلاحَ فهما على حَرْفِ جهنم، فإذا قَتَلَ أحدهما صاحبهُ دخلاها جميعاً. قال: فقلنا، أوْ قيل يا رسول الله: هذا القاتلُ (١) فما بالُ المقتولِ (٢)؟

قال: إنه قد أراد قَتْلَ صاحبه" رواه البخاري ومسلم.


(١) أي هذا القاتل يستحق النار.
(٢) فما ذنبه؟ قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلاً، وقيل هو محمول على من استحل ذلك. وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين. واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين، وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ، بل بمجرد طلب الملك، ولا يرد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي، لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع، والمنع احتياطاً لنفسه ولمن نصحه. قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحرائر بأن يحاربوهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولو هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. أهـ.
وقد أخرج البزار في حديث "القاتل والمقتول في النار" زيادة تبين المراد، وهي "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار" ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ "لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل؟ فقيل كيف يكون ذلك؟ قال الهرج: القاتل والمقتول في النار" قال القرطبي: فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله: "القاتل والمقتول في النار" وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رفعه "من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية" واستدل بقوله: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل، والقاتل يعذب على القتال والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط، فلم يقع التعذيب على العزم المجرد. قالوا في قوله تعالى: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" اختيار باب الافتعال في الشر، لأنه يشعر بأنه لابد فيه من المعالجة؛ بخلاف الخير فإنه يثاب عليه بالنية المجردة، ويؤيده حديث "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا". والحاصل أن المراتب ثلاث: الهم المجرد، وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به، واقتران الفعل بالهم أو بالعزم، ولا نزاع في المؤاخذة به، والعزم وهو أقوى من الهم، وفيه النزاع. وروي عن الأحنف قال: حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد يعني النبوي وفيهم علي والزبير فقلت إني لا أرى هذا الرجل يعني عثمان إلا مقتولاً فمن تأمراني به؟ قالا علي فقدمنا مكة فلقيت عائشة، وقد بلغنا قتل عثمان فقلت لها من تأمريني به؟ قالت علي فرجعنا إلى المدينة فبايعت علياً ورجعت إلى البصرة فبينما نحن كذلك إذ أتاني آت فقال هذه عائشة وطلحة والزبير نزلوا بجانب الخريبة يستنصرون بك فأتيت عائشة فذكرتها بما قالت لي، ثم أتيت طلحة والزبير فذكرتهما، فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقاتل رجلاً أمرتموني ببيعته فاعتزل القتال مع الفريقين، ويمكن الجمع بأنه هم بالترك ثم بدا له في القتال مع علي، ثم ثبطه عن ذلك أبو بكرة، أو هَمَّ بالقتال مع علي فثبطه أبو بكرة وصادف مراسلة =

<<  <  ج: ص:  >  >>