للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديد الحرِّ نحو بقيعِ الغرقد (١) قال: فكان الناسُ يمشون خلفهُ (٢). قال: فلما سمع صوت النعالِ وَقَرَ (٣) ذلك في نفسه، فجلس حتى قَدَّمَهُمْ (٤) أمامهُ لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر، فلما مر ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دَفَنُوا فيهما رجلين. قال: فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من دفنتم اليوم هاهنا؟ قالوا: فلانٌ وفلانٌ. قالوا: يا نبي الله وما ذاك؟ قال: أما أحدهما فكان لا يَتَنَزَّهُ (٥) من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (٦)، وأخذ جريدةً (٧) رَطبةً فَشَقَّهَا، ثم جعلها على القبر. قالوا يا نبي الله لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: لِيُخَفَّفَنَّ عنهما. قالوا يا نبي الله: حتى متى (٨) هُما يُعذبان قال: غَيْبٌ لا يعلمهُ إلا الله عز وجل، ولولا تَمَزُّعُ قلوبكم (٩) وَتَزَيُّدُكُمْ في الحديث لسمعتم ما أسمعُ" رواه أحمد من طريق علي بن يزيد عن القاسم عنه.

٤ - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "النميمةُ والشتيمةُ (١٠) والْحَمِيَّةُ (١١) في النار".


(١) مقبرة أهل المدينة لأنه كان فيها غرقد: أي ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك، والواحدة غرقدة.
(٢) وراءه.
(٣) سكن فيه وثبت، من الوقار والحلم والرزانة، وفيه "لم يفضلكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في القلب".
(٤) تقدموا أمامه.
(٥) لا ستتر عند قضاء بوله، أو لا يستبرئ استبراء كاملاً: أي لا يتحرز النجاسة ويستهتر بنظر الناس ويتهاون في كشف العورة ويتجاسر في الطرق فيتبول.
(٦) يمشي بالفساد بين الناس.
(٧) من جريد النخل تكون سبب تخفيف العذاب وإنزال رحمة الله جل وعلا مدة خضرتها ودوام نضارتها إلى زمن اليبس.
(٨) إلى أي زمن ينتهي عذابهما.
(٩) لولا شدة جزعكم لأسمعكم الله صوت عذابهما مثل ما أسمع فأعطى الله النبي صلى الله عليه وسلم ميزة الثبات والرزانة ليسمع أشياء ليس في مقدور غيره صلى الله عليه وسلم أن يسمعها، ولو سمعها الإنس والجن لصعقوا: أي ماتوا كما في حديث البخاري في باب حمل الرجال الجنازة "وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق".
(١٠) السباب والأذى باللسان وقبح الألفاظ.
(١١) الأنفة في باطل واستعمال عزة الجانب في المعاصي والظلم وهتك أعراض الناس ولشدة شوكتهم يضيعون مصالح الناس، ومنه "وقدر القوم حامية تفور" أي حارة تغلي، وفي الغريب: وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل حميت على فلان: أي غضبت عليه، قال تعالى: "حمية الجاهلية" وعن ذلك استعير قولهم: حميت المكان حمى، وروي "لا حمى إلا لله ورسوله" أهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>